لقد قالوا بعدم إمكان الحديث عن مسألة الأسلحة الفردية حتى بعد مقتل هذا العدد الكبير من الأميركيين في المهرجان الغنائي على يدي شخص منفرد يمتلك ترسانة من الأسلحة. وقالوا أيضاً إن مجرد مناقشة السياسات التي تهدف حتى إلى وقف المذابح المقبلة هو بمثابة ازدراء لأرواح الضحايا! قالوا هذا فيما كانوا يهرعون باتجاه كاميرات التصوير التلفزيوني لإعلان دعمهم للإجراءات نصف الفعّالة التي صادق عليها أسيادهم في «الرابطة الوطنية للبنادق» لمعالجة المشكلة. «إنهم» بالطبع السياسيون الجبناء الذين أعيد انتخابهم بسبب إعادة توزيع الدوائر الانتخابية في مناطقهم الذي كان في مصلحتهم. وعندما يتعلق الأمر بأمن امتلاك المسدسات الفردية، فهم يعتقدون أن من يموت بسببها يكون قد مات فقط عن طريق الخطأ. وربما لا يعود عدم رغبة «الجمهوريين» الأعضاء في الكونجرس وحلفائهم في لوبي «الرابطة الوطنية للبنادق»، في الحديث عن أمن الأسلحة الفردية لسبب آخر سوى أن ذلك لا يعني احترام أرواح الموتى كما يعتقدون. وربما كانوا يتوجسون من إطلاق حوار حقيقي حول الموضوع لأن معظم الأميركيين يدركون مدى نفورهم وتهربهم منه. وبعد مقتل 20 طفلاً في حادثة مدرسة «ساندي هوك» الابتدائية في 14 ديسمبر 2014 في بلدة نيوتاون بولاية كونيكتيكيت، عبّر 90 في المئة من الأميركيين عن تأييدهم لإجراءات تشديد الرقابة على شراء المسدسات. وربما لا تكون تلك الإجراءات قد تركت أي تأثير يمكنه أن يمنع وقوع مذبحة لاس فيغاس، وقد لا يكون من حقنا الإجابة على العديد من الأسئلة المطروحة حول هذا الموضوع، حتى يكتمل التحقيق الذي شرعت فيه الوكالات المعنية بإنفاذ القانون في الولايات المتحدة، إلا أن معظم ضباط ومسؤولي الشرطة الذين تحدثت إليهم حول هذا الموضوع خلال السنوات الماضية، وهم من النساء والرجال الذين يعملون على حماية عائلاتنا، عبروا عن دعمهم لإنشاء نظام جديد لتشديد الرقابة كوسيلة لانتزاع المسدسات من أيادي المتوحشين الذين يهددون زوجاتهم بالقتل، والسفاحين الذين اعتادوا على ضرب أبنائهم، والإرهابيين الذين يبحثون عن استغلال قوانين حمل المسدسات التي وضعها «الجمهوريون» لإزهاق أرواح المزيد من الأميركيين. وربما يشترك رئيس قسم الشرطة في دائرتك في تأييده للغالبية العظمى من الناخبين الذين يدعمون حظر الأسلحة الفردية الخطيرة كالتي استخدمت في لاس فيغاس لقتل وجرح عدد كبير من الناس خلال فترة وجيزة. وعلى رغم الدعم الكبير الذي تحظى به هذه السياسات الوقائية، فقد عمد مسؤولو «الرابطة الوطنية للبنادق» وبقية «اللوبيات» التي تعارض تلك الإجراءات، إلى زرع الخوف في قلوب السياسيين عن طريق الإيحاء لهم بأن طائرات الهيليكوبتر السوداء الخاصة بالشرطة يمكن أن تحط قريباً من بيوت المواطنين غير المشبوهين لمصادرة بنادق الصيد منهم! ويمكن لهذه الحيلة الدعائية القديمة التي تروّج لها «الرابطة الوطنية للبنادق» أن تضمن لها الفوز بالدعم الكبير من الجماعات التي سبق لها أن عبرت عن قلقها من فحوى «المادة الثانية المعدلة» من الدستور حتى بعد أن أصدرت المحكمة العليا حكمها عام 2008 الذي يقضي بأن الأميركيين يمتلكون الحق الدستوري بحيازة وحمل الأسلحة الفردية. ويرى القاضي «أنتونين سكاليا»، ومعه أغلبية القضاة في المحكمة العليا، أنه ما من سياسي على الإطلاق في واشنطن أو في عواصم الولايات الأخرى، يمكنه اقتراح القوانين التي تمنع الأميركيين من امتلاك المسدسات اليدوية في بيوتهم من أجل الحماية الشخصية. ولكن، حتى «سكاليا» ذاته يرفض بقوة الزعم القائل بأن المفهوم الدستوري للحماية الشخصية يمكن أن يتوسع حتى يسمح للمواطنين العاديين باستخدام الأسلحة ذات الأغراض العسكرية. وحتى نضع هذا الجدل المتعلق بحمل المسدسات في سياقه الصحيح، يكون علينا أن نتذكر أن «الرابطة الوطنية للبنادق» ومعها «الحزب الجمهوري» الذي ينتمي إليه الرئيس ترامب، ظلت تخالف بشكل كبير آراء الغالبية العظمى من الأميركيين وحتى القضاة الأكثر ميلاً للمحافظة في المحكمة العليا خلال السنوات الثمانين الماضية. وعلى رغم هذا التأييد واسع النطاق الذي تحظى به إجراءات تشديد الرقابة على حيازة الأسلحة الفردية، فإن كل المسؤولين «الجمهوريين» في واشنطن يفضلون الاختباء في الزوايا عندما يتعلق الأمر بالنقاشات الجادة والفعالة حول وضع الآليات المناسبة لتحقيق أمن حيازة السلاح الفردي. وهم يعلمون حق العلم بأنه بعد امتصاص الشعب الأميركي لصدمات لاس فيغاس وأورلاندو ونيوتاون وبقية الأماكن التي شهدت أحداث إطلاق النار المرعبة، فسيحين الوقت الذي ستعود فيه الأمور إلى نصابها، وستتلاشى عندئذ كل الآمال بإقرار أي إجراءات رقابية على حيازة واستخدام الأسلحة النارية الفردية. جو سكاربورو: عضو الكونجرس سابقاً ومقدم البرنامج الحواري «صباح جو» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»