«الصمود» بين قطر وإسرائيل!
يحلو لبعض المحللين والمعلقين المؤيدين أو المتعاطفين مع موقف نظام الحمدين، حمد بن خليفة آل ثاني ووزير خارجيته حمد بن جاسم، أن يقارنوا بين صمود إسرائيل لأكثر من ستة عقود في وجه مقاطعة الجوار الجغرافي العربي لها، ومن ثم نهوضها بطريقة فاقت الدول التي طبَّقت عليها المقاطعة، وبين «قدرة» نظام الحكم في قطر على الصمود أمام الدول الخليجية ومصر التي تطبق عليها المقاطعة، والتي يزعمون أنها لم تُحدِث أية تأثيرات عليها، بل يعتقدون أن قطر -بهذا «الصمود»- ربما تحقق نصراً على خصومها!
من وجهة نظري أن حرب أكتوبر التي احتفل العرب بالذكرى الـ44 لانتصارهم فيها على إسرائيل قبل أيام، تحمل رسالة مهمة إلى هؤلاء الذين يقارنون صمود دولة إسرائيل بصمود نظام الحمدين، وهي رسالة تدعو إلى ضرورة الفهم الكامل لإسرائيل وهي تبني دولتها، حتى لا نسقط في وهم المقارنة العاطفية التي جعلت العرب يخسرون الكثير من المصالح.
إذا استعراضنا تاريخ الحروب الإسرائيلية مع العرب فإنه يمكننا تقسيمها إلى مجموعتين، وحرب أكتوبر كانت بمثابة الفصل بينهما. المجموعة الأولى: كانت بهدف إثبات الوجود والتوسع الجغرافي، وقد تحقق لها ذلك. أما المجموعة الثانية فكانت من أجل الحفاظ على ما حققته من انتصارات على العرب. لذا فالصراع مع العرب بالنسبة لإسرائيل كان أكثره نشاطاً سياسياً بهدف الحصول على مكتسبات. أما قطر فتفعل العكس، وهي توظف السياسة التي هي فن الممكن من أجل تحقيق خسائر إضافية عليها.
تختلف إسرائيل عن نظام قطر في أن الأولى كانت تمارس صمودها باستخدام عقيدة «سياسية دينية»، وهي من أقوى أدوات الصمود والمواجهة مع الخصم، لذا فإن قضيتهم حتى وإن كانت من دون أساس مُحق، إلا أن القيادة السياسية الإسرائيلية وظفتها بشكل فعال في الداخل والخارج، بعكس نظام قطر الحالي الذي يخوض حربه من أجل خدمة أجندات لا علاقة لها بالشعب القطري الذي بدأ يدرك ما يفعله نظام الحمدين، لا سيما بعد أن ثبتت علاقته بتنظيمات مصنّفة عالمياً بالإرهابية، وهذا ما يجعل الضغط الدولي أكبر على النظام القطري. ويختلف الوضع الإسرائيلي عن قطر من ناحية أن المجتمع الإسرائيلي كان يخوض معركته مسلحاً بالتماسك الداخلي، وإذا وجدت معارضة فهي فقط في أساليب إدارة السياسة نحو تحقيق الهدف، بل من السهولة القول بأن الشعب الإسرائيلي كله مجنّد لخدمة الهدف الأساسي له (وإن كان هدفاً غير مشروع)، في حين أن هذا العامل في قطر غير موجود باعتبار أن ما يقوم به نظام الحكم القطري يخلق عداءات مع شعبه، بل يتعامل مع جواره الجغرافي من دون أي مفهوم سياسي.
لن نتحدث عن الكاريزما السياسية في إدارة الأزمة بين النظامين في إسرائيل وقطر، فقادة إسرائيل -قبل حرب أكتوبر- كانوا يتمتعون بمواصفات قادرة على إقناع شعبهم بما يقومون به من أجل الدولة الإسرائيلية المنتظرة، في حين أن موقف النظام القطري متمثلاً في إصراره على دعم الإرهاب غير واضح الأهداف، سوى أنه يسعى لإثارة الفوضى الأمنية، وهو ما يدعو إلى القلق المحلي والإقليمي والدولي.
ولو وضعنا تلك المؤشرات وحاولنا أن نجري مقارنة مع ما نعرفه من مشروع الحمدين، لوجدنا في المقارنة ظلماً كبيراً لإسرائيل (بغض النظر عن عدم صحة موقفها تجاه العرب)، لأن قادة إسرائيل يعملون من أجل إسعاد شعبهم، ولا شك في أن الذين يقومون بتلك المقارنة ويحاولون إيهام النظام القطري بأن في إمكانه الصمود إنما يسيئون لنظام حكم الدوحة من غير قصد، ويقدمون مشورة غير محسوبة العواقب.
يحق لنا أن نقول إن المقارنة بين «قدرة» الدولتين (قطر وإسرائيل) على الصمود في غير محلها، حيث يتعذر على أي مراقب منطقي وموضوعي أن يضع الاثنتين على قدم المساواة في التقييم السياسي، لهذا من المهم جداً ونحن نجري المقارنة ألا نبسط الموضوع بدوافع عاطفية لا أكثر، أو لأننا نميل للموقف القطري، فالصمود الإسرائيلي ضد الحصار هو عامل وحيد ضمن مجموعة من السياسات كانت تقوم بها الدولة العبرية في المنطقة والعالم، لكن هناك أيضاً التأثير من خلال الدبلوماسية وعبر حملة علاقات عامة، وهي عوامل تفتقدها قطر. ومع مرور الأيام ستخسر الدوحة أكثر فأكثر لأن ما تفعله يثير جوارها.
ينبغي على مستشاري الحمدين ألا يحاولوا خداعهما أكثر من هذا، لا سيما في ظل نتائج زيارة العاهل السعودي إلى روسيا والمؤشرات التي ظهرت في طبيعة العلاقة، وكذلك التطور الجديد في الموقف الأميركي في عدم إجراء بعض التمارين المشتركة مع القوات القطرية، وهي رسالة بأن الصبر الدولي على قطر له حدود!