في أواخر سبتمبر الماضي دعا رئيس الحكومة اليابانية «شينزو آبي» إلى انتخابات برلمانية مبكرة في الثاني والعشرين من هذا الشهر على أمل الخروج بأكثرية برلمانية تطلق يده في إقرار ما يريد دونما حاجة للدخول في مساومات مع الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان. وقد قيل في توقيت الدعوة إنه اختير بعناية للاستفادة مما تشهده أحزاب المعارضة التقليدية من انقسامات، وأيضاً الاستفادة من الشعبية التي تحققت للحزب «الديمقراطي الليبرالي» الحاكم وزعيمه «شينزو أبي» مؤخرا جراء أمرين هما: مواقفه السياسية الحازمة تجاه كوريا الشمالية، وقيامه بفصل مسؤولين حزبيين وحكوميين متورطين في قضايا فساد من دون أدنى تردد، بمن فيهم وزير دفاعه «تومومي إينادا». والحقيقة التي يعرفها المطلعون على التاريخ السياسي لليابان في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية هي أن ما أقدم عليه «آبي» أمر تكرر مراراً على يد العديد من أسلافه. غير أن الحالة هذه المرة تبدو مختلفة وتحيط بها تكهنات وتساؤلات وتحديات كثيرة. صحيح أن أحزاب المعارضة التقليدية أضعف من أن تنجح في هزيمة الحزب الحاكم الذي أدار اليابان في معظم سنوات ما بعد الحرب، أو هزيمة «آبي» الذي هيمن على ساحة السياسة اليابانية طيلة السنوات الخمس الماضية وكان بإمكانه الاستمرار في ذلك إلى حين الموعد الطبيعي للانتخابات القادمة في عام 2018، لكن الصحيح أيضاً هو أن الأخير وجد نفسه فجأة في مواجهة تحد لم يكن في الحسبان. ونقصد بهذا التحدي بروز حزب جديد تحت اسم «كيبو نو تو» أو «حزب الأمل» بقيادة عمدة طوكيو السيدة «يوريكو كواكي» بعد ساعات قليلة من الإعلان عن الانتخابات المبكرة. هذا علما بأن كواكي مـُنحت عضوية الحزب الحاكم بعد فوزها في انتخابات عمادة طوكيو قبل أن تتمرد عليه، ثم قامت بإغراء أعضاء الحزب «الديمقراطي» المعارض للانضمام إلى حزب «الأمل»، الأمر الذي تسبب في تصدع خطير للحزب «الديمقراطي» جعله يقرر عدم المشاركة في انتخابات 22 أكتوبر. هذا التطور جعل المراقبين يتساءلون عما إذا كان «آبي» سيتجرع من نفس الكأس الذي تجرعت منه رئيسة الوزارة البريطانية «تريزا ماي» يوم أن دعت في أبريل 2017 إلى انتخابات مبكرة في يونيو الماضي فخسر حزبها الأكثرية التي كان يتمتع بها في مجلس «العموم»، خصوصاً إذا عرفنا أن «كواكي» وحزبها الجديد يركزان في حملاتهما الانتخابية على إجراءات معاكسة لما يريد «آبي» الإقدام عليه في حال فوزه بثلثي مقاعد البرلمان. فمثلاً يسعى «آبي» إلى زيادة الضريبة على المبيعات من 8 إلى 10 بالمئة بهدف جمع أموال إضافية للإنفاق على الخدمات الاجتماعية في قطاعي التعليم ورعاية الطفولة والأمومة، فيما تسعى كواكي إلى تجميد هذا الملف في حال فوزها بسبب تبعاته المادية والمعنوية على المواطن، والاستعاضة عنه بزيادة الضرائب على الشركات وتسييل الأصول المملوكة للدولة. وعلى حين تتضمن أجندة «آبي» الانتخابية ما دأب على المطالبة به طويلاً وهو تعديل بعض مواد دستور ما بعد الحرب العالمية بحيث تتحلل اليابان من التزامها بعدم بناء قوة عسكرية أو خوض مهام قتالية فيما وراء الحدود إذا استدعى أمن البلاد ذلك، فإن أجندة منافسته «كواكي» تشتمل على ضرورة الدخول في حوار وطني مسبق بين الأحزاب اليابانية حول موضوع العودة إلى «عسكرة اليابان»، بل وطرحه قبل إقراره على استفتاء شعبي، وذلك بسبب تبعاته الإقليمية في إشارة إلى ردود الأفعال الصينية التي يتوقع أن تكون ساخطة وعنيفة في ضوء ما هو معروف عن قادة بكين من مواقف صلبة ضد أي محاولة من جانب طوكيو لبناء جيش قوي على اعتبار أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الصيني. وبمعنى آخر فإن فوز «آبي» في الانتخابات القادمة بأغلبية مريحة سيدفعه إلى تعديل الدستور، وهذا سيتسبب في توتر وتصعيد إقليمي بين اليابان والصين بشكل خطير قد يستدعي تدخل الولايات المتحدة. وفي هذا المقام، من المناسب الإشارة إلى أنه على الرغم من المادة الدستورية رقم 19 التي تحظر على اليابان بناء قوتها العسكرية، فقد سمح لها منذ عام 1954 ببناء قوة دفاع وصل عدد عناصرها اليوم إلى نحو 300 ألف عنصر، وهو ما وضع اليابان في المرتبة الثامنة في العالم من حيث الإنفاق الدفاعي. إضافة إلى ما سبق تختلف وجهات نظر «آبي» و«كواكي» حول مفاعلات اليابان النووية. فهي ترى ضرورة التخلص منها تدريجياً بحيث تصبح البلاد خالية منها تماماً في عام 2030، بل تطالب بحظرها في أي تعديل دستوري، بينما يرى هو العكس على اعتبار أن الخبرة النووية اليابانية يجب الاحتفاظ بها كخيار ردع في ظل ما يحيط بالبلاد من تهديدات متنامية من قبل جاراتها. وفي هذا السياق قيل إن «آبي» مضطر لعدم الخوض كثيراً في موضوعي تعديل الدستور والمفاعلات النووية بسبب حساسيتهما، لكنه سيفعل العكس بطبيعة الحال بمجرد فوزه في الانتخابات، خصوصاً وأن حكومته كانت قد أعلنت قبل نحو عامين أن الدستور الياباني لايمنع «التسليحات النووية المحدودة»، وهذا المصطلح مطاطي ويمكن تفسيره بألف طريقة. ومن هنا أيضاً يتبين كم أن انتخابات 22 أكتوبر الجاري ستكون مختلفة عن كل الانتخابات السابقة لأن نتائجها ذات تداعيات تتعدى النطاق الداخلي. د. عبدالله المدني *أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين