في ظل جهود دولة الإمارات العربية المتحدة الحثيثة والمتواصلة استعداداً لعصر ما بعد النفط، يبرز الدور الحيوي الذي تلعبه المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كونها رافداً أساسياً للاقتصاد الوطني، ومن هذا المنطلق تولي الدولة اهتماماً استثنائياً لهذا القطاع الواعد، ولا تألو جهداً لتوفير المناخ الملائم لنمو قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل مهامه في دعم المسيرة التنموية للدولة، وذلك من خلال توفير أحدث البنى التحتية والتكنولوجية الملبِّية لاحتياجات القطاع، وكذلك أطر تنظيمية وتشريعية مرنة، وإنشاء مؤسسات داعمة للقطاع في مختلف إمارات الدولة، فضلاً عن حرص الدولة على الاستفادة من التجارب التنموية الناجحة في هذا القطاع عن طريق تعزيز الشراكات الثنائية بين الدول ذات الخبرة والكفاءة في تأسيس وتطوير منظومة عمل متكاملة لقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وفي هذا السياق أطلق معالي سلطان بن سعيد المنصوري، وزير الاقتصاد، ومعالي هيروشيغ سيكو، وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني، مؤخراً في أبوظبي، منصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة الإماراتية اليابانية، التي تأتي استكمالاً لجهود التعاون القائم بين البلدين لتطوير هذا القطاع الحيوي، وفي إطار تنفيذ مذكرة التفاهم الموقَّعة بين وزارة الاقتصاد الإماراتية ووزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية، في يناير الماضي، بشأن الابتكار والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل التعاون بين رواد الأعمال الإماراتيين واليابانيين. ويأتي إطلاق هذه المنصة في إطار حرص الحكومة الإماراتية على دعم ثقافة ريادة الأعمال وتعزيزها، وتهيئة البيئة المناسبة لتمكين رواد الأعمال الشباب من تنفيذ أفكارهم ومشروعاتهم النوعية المبتكَرة على أرض الواقع. وينبع ذلك من إيمان الدولة وقيادتها الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- بأن ريادة الأعمال، وتشجيع الشباب، وتمكينهم من الإسهام الفاعل في التنمية المستدامة، هي السبيل الأمثل لمواجهة تحديات مرحلة ما بعد النفط، وتملك المشاريع الصغيرة والمتوسطة مميزات تجعل منها عموداً فقرياً لاقتصاد الدول، إذ تعمل على توليد فرص العمل، وتشجيع المنافسة، وخلق صناعات جديدة، ودفع عجلة النمو الاقتصادي المستدام. بالإضافة إلى أن هذه المشاريع يمكن أن تسهم بدور إيجابي في تحقيق التنمية المتوازنة بالدولة، حيث تتميز هذه المشاريع بالقدرة على الانتشار والحركة، وبالتالي تغطية المناطق المختلفة في الدولة، وعدم التركُّز في منطقة بعينها. وعلى صعيد آخر يعكس إطلاق منصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة الإماراتية اليابانية متانة وتميز العلاقات بين الدولتين، التي تعود جذورها إلى أكثر من أربعة عقود، والقائمة على تحقيق المنفعة المتبادلة، خاصة على الصعيدين التجاري والاقتصادي، كون اليابان تعدُّ واحداً من أهم الشركاء التجاريين، وقد تم اتخاذ خطوات عدَّة خلال الفترة الماضية بهدف تطوير آليات ونماذج التعاون بين البلدين الصديقين بالتركيز على القطاعات ذات الاهتمام المشترك، ومن أبرزها المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويمثل إطلاق منصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة إضافة نوعية إلى تلك الجهود، حيث ستوفِّر المنصة قاعدة بيانات يحتاج إليها أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الإمارات واليابان لدعم القطاع، ما يسهل التعاون بين رواد الأعمال الإماراتيين واليابانيين، وإقامة شراكات تجارية واستثمارية تخدم مسار العلاقات الثنائية، وتحقق الأهداف التنموية للجانبين. ويترجم الاهتمام الكبير، الذي توليه الدولة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، توجُّهاً تنموياً واستراتيجياً واضح الخطى والمعالم، يشكل القطاع ركناً أساسياً فيه، لاسيما بعد أن بات قاطرة مهمة للتنمية، وعنصراً رئيسياً في بناء الاستراتيجية المتكاملة لاقتصاد ما بعد النفط. ولهذا تتعدَّد الجهات والهيئات التي تدعم هذا القطاع الواعد بكل السبل حتى يقوم بدوره المنوط به على أكمل وجه، وبما يسهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة في الدولة المتجسِّدة في «رؤية الإمارات 2021» و«مئوية الإمارات 2071». وبالفعل استطاع القطاع أن يثبت إمكانياته وقدراته، ونجح في وضع بصمة خاصة له في المسيرة التنموية للدولة، حيث تجاوز إجمالي عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة في دولة الإمارات 450 ألف شركة، وتهدف الدولة إلى رفع نسبة مساهمته في ناتجها المحلي الإجمالي إلى 70% بحلول عام 2021. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.