يعد موقف النزعة الماضوية في الثقافة العربية الإسلامية من مسألة حقوق الإنسان على الطرف النقيض تماماً من موقف النزعة التقدمية الغربية. حيث يرى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إنما هو إعلان خاص، صدر في ظروف خاصة، ويقوم على فلسفة خاصة، هي في الأساس النزعة الفردية والحرية الشخصية التي قد تصل إلى حد الفوضوية وإنكار القيم والمبادئ الخاصة بكل مجتمع، ولذلك فإنه لا يمكن تطبيقه في كل المجتمعات، على اختلاف ثقافاتها، نظراً لتعارض بعض بنوده أحياناً مع الدين، مثل بعض قوانين الأحوال الشخصية السارية في الغرب. ولكن، صحيح أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يقوم على فلسفته الخاصة، الفردية الغربية، وفي ظروف خاصة، أوروبا بعد الحرب الأوروبية الثانية، وقد تتعارض أيضاً بعض تفصيلاته مع عادات بعض المجتمعات وأعراف الشعوب الأخرى غير الغربية. ومع ذلك فهناك قيم أخلاقية ومبادئ إنسانية عامة تتجاوز اختلافات ثقافات الشعوب وما قد يكون لديها من افتراق في العادات والأعراف. وهذه المبادئ الإنسانية العامة تعبر عن بداهات العقل والفطرة والقانون الطبيعي مثل قيم الحياة والعقل، والحفاظ على ثروات الأمم وعلى أعراض الناس. فالممارسات المجحفة بحقوق الناس، أفراداً وجماعات، تتعارض أيضاً مع روح الإسلام، وروح الشريعة، وتتعارض كذلك مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد تتعارض بعض المبادئ العامة لحقوق الإنسان ليس مع روح الشريعة الإسلامية بل مع بعض التأويلات الفرعية الحرفية لبعض قوانينها وخاصة فيما يتعلق بقانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية. وكثير من الحدود في الدين لها مقاصد شريفة، وليس المقصود تطبيق الحد «أدرؤوا الحدود بالشبهات» لذاته، بل البحث الاجتماعي لتغيير الواقع والقضاء على أسباب وقوع الجرائم مثل السرقة. وعلى سبيل المثال فصلب المفسدين في الأرض وقاطعي الطريق وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف عقاب شديد ولكن ضروري لنشر الأمان في الطرقات. وقد تختلف أيضاً طرق الردع الآن عن الجرائم في قانون العقوبات، بالسجن مدى الحياة. وكذلك القصاص موجود في معظم الشرائع. والبعض الآخر يستعيض عنه أيضاً بالسجن مدى الحياة. ولذلك جاء التعزير ليترك للحاكم خيار تخفيف العقوبة أو تشديدها طبقاً للحالة دون التطبيق العام والمطلق لها بصرف النظر عن الحالات الخاصة. والعقاب النفسي أحياناً يكون أكثر إيلاماً من العقاب الجسدي. وما يقال في العقاب الجسدي يقال أيضاً في بعض الأحكام التي تجاوزها الزمن مثل الغنائم والرق والصيد ودار الحرب وبعض جوانب فقه النساء مثل ما ملكت الأيمان والإماء. وهنالك مقاصد شريفة أيضاً بالنسبة لوضع المرأة في قانون الأحوال الشخصية، وكل ما يتعلق بالميراث والشهادة والإمامة والزواج والطلاق. وهناك فرق بين القانون وروح القانون، بين الصياغة الزمنية المتغيرة وبين الهدف الأبدي الدائم. فلم يكن للمرأة قبل الإسلام أي حق، حتى الحق في الحياة. ولم يكن لها حق الملكية فأصبحت لها شخصية اعتبارية تبيع وتشتري وتمتلك. ولم يكن لها حق الشهادة فجعل لها النصف من أجل تحقيق المساواة تدريجياً حتى يتم تغيير الوضع الاجتماعي بنجاح دون تعثر ورد فعل من مجتمع تقليدي. وكان تعدد الزوجات بلا حدود، فوضعت له الشريعة حداً، وجعلته في حالات استثنائية مثل العقم أو العجز وبعد موافقة الزوجة الأولى وإلا فقد يصير سبباً للطلاق، وجعلته أيضاً بشرط العدل المادي والنفسي. وإذا كان العدل المادي ممكناً فإن العاطفي يستحيل فيه العدل لأن العاطفة كيفٌ وليست كماً، بطبيعة الحال.