التيفويد، أو بشكل أدق حمى التيفويد، مرض معدٍ، يتسبب فيه نوع خاص من البكتيريا، ينتقل عن طريق مياه الشرب أو الطعام الملوثين ببراز الشخص المصاب. وتظهر أعراض المرض - باختصار- في شكل حمى مُطوَّلة تستمر لعدة أسابيع، وصداع، وغثيان، وفقدان للشهية، وإمساك. وتشير الإحصائيات والتقديرات إلى إصابة 22 مليون شخص سنوياً بالتيفويد، يلقى 220 ألفاً منهم حتفهم كل عام. وهذا يعني أن بكتيريا التيفويد تقتل حالياً واحداً في المئة فقط من المصابين، وهو ما يعتبر نجاحاً هائلاً للطب الحديث، في ظل حقيقة أنه قبل عصر التطعيمات الطبية واكتشاف المضادات الحيوية، كانت بكتيريا التيفويد تقتل 20 في المئة من المصابين. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن معدلات العدوى والإصابة قبل تطوير نظم الصرف الصحي الحديثة وتوفير شبكات مياه الشرب، كانت أضعاف أضعاف ما هي عليه الآن، يمكن الاستنتاج أن التيفويد كان يقتل الملايين من البشر سنوياً، حتى نهايات القرن التاسع عشر، وحتى يومنا هذا لا زال التيفويد يحصد أيضاً مئات الآلاف من الأرواح سنوياً. وبخلاف التطورات الهائلة في البنية التحتية المدنية للمجتمعات البشرية، والمتمثلة في نظم الصرف الصحي الحديثة، وشبكات مياه الشرب، بالإضافة إلى الاكتشافات والاختراقات المذهلة في عالم المضادات الحيوية خلال العقود الأخيرة، فقد لعبت التطعيمات الطبية أيضاً دوراً محورياً في مكافحة التيفويد وخفض الوفيات الناتجة عنه، من خلال نوعَيها المتاحين حالياً، التطعيم الفموي والتطعيم بالحقن. لكن هذين النوعين من التطعيمات الطبية المتاحين حالياً ضد التيفويد، يتسمان بعدة عيوب، منها أن التطعيم بالحقن لا يستخدم للأطفال الأقل من عمر سنتين، والتطعيم الفموي لا يستخدم للأطفال الأقل من خمس سنوات، وهو ما يعتبر عيباً خطيراً وجسيماً في ظل حقيقة أن الأطفال هم من الفئات الأكثر عرضة للإصابة ببكتيريا التيفويد، نتيجة شرب مياه ملوثة أو تناول طعام ملوث بالبكتيريا. كما أن كفاءة هذين التطعيمين أيضاً تتراوح ما بين 50 إلى 70 في المئة فقط، وتستمر فعالية التطعيم بالحقن من عامين إلى ثلاثة أعوام، ومن خمسة إلى سبعة مع التطعيم الفموي، ويحتاج الشخص بعدها إلى إعادة تطعيمه مرة أخرى. ولكن هذا الوضع من شأنه أن يتغير عما قريب، حسب ما تناولته وسائل الإعلام مؤخراً، عن صدور توصية ودعم من منظمة الصحة العالمية لنوع جديد من التطعيمات الطبية ضد التيفويد، يقدر أن كفاءته تقارب الـ90 في المئة، وهو ما يعني حماية 9 من كل 10 أشخاص يتعرضون للميكروب، والأهم من ذلك أنه يمكن استخدامه للأطفال بداية من عمر ستة شهور، وهي الفئة العمرية التي لم يكن هناك خيار متاح حتى الآن لتوفير الحماية لها. وجاءت توصية المنظمة لهذا التطعيم، على خلفية توصية مجموعة استراتيجية من الخبراء الاستشاريين في التطعيمات (Strategic Advisory Group of Experts on Immunization)، بنت توصيتها على نتائج دراسة أجراها علماء جامعة أكسفورد البريطانية، ونشرت نتائجها في عدد الشهر الماضي من واحدة من أشهر وأعرق الدوريات الطبية في العالم «Lancet». وفي هذه الدراسة تم تطعيم 112 شخصاً بالتطعيم الجديد، تعرضوا للعدوى بعدها عمداً، ليكتشف الأطباء أن التطعيم نجح في وقاية 87 في المئة منهم من غزو البكتيريا لأجسامهم والتسبب في مرضهم. ويأتي هذا التطعيم في وقت حرج جداً في رحلة الإنسان التاريخية مع ميكروب التيفويد، في ظل تزايد قدرة الميكروب على مقاومة عدد كبير من المضادات الحيوية، ضمن الظاهرة الأعم والأوسع لتزايد مقاومة الجراثيم بأنواعها المختلفة، لما هو متاح حالياً من مضادات حيوية، وهي الظاهرة التي أصبح البعض يطلق عليها وصف فجر عصر ما بعد المضادات الحيوية، أي العصر الذي ستفقد فيها هذه النوعية المهمة والحيوية من الأدوية والعقاقير الطبية فعاليتها وكفاءتها، ليعود الطب الحديث إلى العصور الوسطى في قدرته على التعامل مع الأمراض المعدية والجراثيم بأنواعها المختلفة. وهو ما حدا بالتحالف الدولي لتوفير التطعيمات الطبية للدول النامية والفقيرة، والمعروف اختصارا بـ«جافي»، لدراسة إدراج هذا التطعيم ضمن التطعيمات التي يوفرها التحالف بالمجان أو بسعر مدعم، كون التطعيم الجديد اختراقاً واعداً في مكافحة مرض لعين يعصف حالياً بالعديد من المجتمعات الفقيرة، ويتوقع في المستقبل القريب أن تصطلى المجتمعات الصناعية والغنية بناره أيضاً، في ظل قدرة البكتيريا المسببة له على مقاومة المزيد والمزيد من الأدوية والعقاقير الطبية المتاحة حالياً لعلاجه.