الجدل الاقتصادي منشغل بشدة بتأثيرات الاحتكار. والاقتصاديون بدأوا يسألون ما إذا كانت زيادة تركيز الصناعات تعطل نمو الإنتاجية وتقلص الاستثمارات في رأس المال، وتخنق المستثمرين المحتملين، وترفع أسعار المنتجات للمستهلك، وتقلص نصيب العمال من الدخل القومي؟ وهذا جهد جيد ومهم. لكن رغم تركيز الانتباه على المستوى الصناعي، لا يوجد ما يكفي من التركيز على الجانب الآخر من مشكلة الاحتكار، وهو أسواق العمل المحلية. الاحتكار يعني أن شركة واحدة تبيع للمرء المنتجات أو الخدمات أو كلاهما، لذلك فهي تستطيع رفع الأسعار. لكن حتى لو حدث هذا، فإن التأثير لن يكون شديد القسوة. وبالنظر إلى التوجه العام، نجد أن أسعار البضائع الاستهلاكية انخفضت بصفة عامة. بينما ارتفعت أسعار البضائع الأساسية مثل الغذاء والإسكان والنقل قليلا فحسب. والواقع أن الرعاية الصحية والتعليم هما ما يحرك التضخم. لكن المشكلة الحقيقية هي بطء نمو الرواتب في السنوات القليلة الماضية. وينتاب الاقتصاديون وصناع القرار السياسي القلق من أن يُلهي الالتفات إلى تركيز الصناعات والأسعار التي تحصل عليها الشركات من المستهلكين عن الانتباه للأجور التي يتقاضاها عمال هذه الشركات. فالأسعار المرتفعة لتذاكر الطيران وحزم الإنترنت العريضة تثير الضيق، لكن تقليص الأجور الحقيقية مدمر خاصة للطبقة العاملة. ونحن نحتاج إلى التفكير في الاحتكارات وإلى التفكير في الحالات التي يوجد فيها صاحب عمل واحد أو عدد صغير من أصحاب الأعمال في المدينة. فليس من اللازم أن تكون الشركة كبيرة عالمياً، كي تكون مهيمنة محلياً بل قد يتمثل الاحتكار في وجود فرع لمتاجر «وول مارت» وقد يتمثل في مصنع مستقل لتقطيع الأخشاب أو منجم للفحم أو مزرعة لإنتاج الألبان. والسؤال هنا: إذا خفض صاحب عمل مهيمن محلياً الأجور، فلماذا لا يغادره العمال ببساطة؟ ربما يكونون مرتبطين عاطفياً بمنازلهم. وربما لا تكون لديهم أموال تكفي للانتقال أو يفتقرون إلى الشبكات التي تسمح لهم بالعثور على عمل والاستقرار في موقع قريب.. وهذا يجعلهم على الأرجح أكثر عرضة لتقليص الأجور من قبل أصحاب العمل الذين يسيطرون على السوق المحلية. وتشير دراسات تحليلية إلى أن أصحاب العمل من هذا النمط يقلصون بالفعل أجور العمال. وهذا يتسق مع مقولة إن أصحاب الأعمال المهيمنين يستغلون نفوذهم في السوق، لخفض الأجور في المناطق التي لا يكون فيها للعمال خيارات كثيرة. وقد تكون هناك تفسيرات أخرى، منها أن المدن التي بها عدد قليل من أصحاب العمل تنخفض فيها الأجور عموماً. وقد توصل الباحثون أيضاً إلى أن المهن التي يطلبها عدد قليل من أصحاب العمل على المستوى القومي تكون رواتبها أقل من الوظائف الأخرى في منطقة ما. وإذا كان الاندماج يقلص فعلا الأجور بتقليص فرص العمل فهذا يمثل دليلاً كافياً وأساساً صلباً لتتخذ الحكومة إجراءات. ولحسن الحظ هناك بعض السياسيين يتحركون بالفعل. فقد تقدم كيث إليسون عضو مجلس النواب عن ولاية مينسيوتا بمشروع قانون يسعى إلى إجراء إعادة نظر سنوية في عمليات الاندماج الكبيرة. ومشروع القانون الذي تقدم به إليسون لن يحلل فقط ما إذا كانت عمليات الاندماج أدت إلى زيادة الأسعار أو خفضها بل أيضاً تأثيرها على الأجور والاقتصاد المحلي. وإليسون ليس وحده في هذا المسعى، بل هناك تجمع كامل لمكافحة الاحتكار يتشكل في مجلس النواب. لقد انتبهت البلاد أخيراً لمخاطر قوة السوق. -------------------- *أستاذ التمويل المساعد السابق في جامعة ستوني بروك الأميركية -------------------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»