تتصاعد الاحتجاجات التى تشهدها إيران منذ 28 من ديسمبر الماضي ولازالت تتصاعد حتى اليوم معيدة إلى الأذهان «الثورة الخضراء» التى شهدتها البلاد عام 2009، والتي كبحها النظام بالقوة المفرطة، الآن دخلت الاحتجاجات في إيران منعطفاً خطيراً بسقوط قتلى وتزايد حصيلتهم. حمل المتظاهرون لافتات وهتفوا بـ «اتركوا سوريا واهتموا بنا! الموت للديكتاتور، والموت لخامنئي!». فما الذي يحدث في إيران؟ هل ستتحول الاحتجاجات إلى ثورة شعبية تطيح النظام؟ وما هي نقاط الاختلاف والتطابق بين الاحتجاجات الحالية والثورة الخضراء عام 2009؟ هل سيسقط النظام الإيراني؟ وهل سيتدخل الحرس الثوري لكبح المتظاهرين؟ وإلى أين ستؤول الأمور؟ تحدث الثورة في المجتمعات الإنسانية كنتيجة موضوعية لوجود مقدمات وشروط محددة وظروف تراكمية، أدت لوجود تناقضات أساسية في المجتمع، يتصدرها العامل الاقتصادي مؤدياً لاتساع الشعور بالظلم والاستغلال من قبل فئة مسيطرة قليلة على بقية الشعب، ومع استفحال الأوضاع الاقتصادية. وتؤدي هذه التناقضات إلى أزمة سياسية عميقة مع استفحال الأوضاع وانعدام الأمل في التغيير، فتنشأ حالة ثورية تتجسد بالمظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية. ومن الحالة الاقتصادية ينشأ التمرد على الوضع السياسي، فالحالة الثورية هي تعبير عن التناقضات الموجودة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهي تمثل ذروة تفاقمها. في إيران بدأت الاحتجاجات أولاً في مدينة مشهد، ثاني أكبر مدن إيران من حيث الكثافة السكانية، بدعوة من جانب المتشددين ضد سياسة روحاني الاقتصادية (في البداية على الأقل) بمباركة من الرجل الأقوى في هذه المحافظه «آية الله علم الهدى» خطيب الجمعة في مدينة مشهد وممثل مرشد الثورة على خامنئي في محافظة خراسان، وسرعان ما انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، وانتقلت المظاهرات بعد ذلك إلى مدن أخرى في أنحاء البلاد، كشاهين وسنندج وكرمنشاه وتشابهار وإيلام وإيذه وصولاً للعاصمة طهران. بدأت الاحتجاجات بشكل عفوي ضد ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة البطالة، لكنها بدأت بعد ذلك بأخذ منحى سياسي متحولة لحالة استياء عام من النظام الإيراني من المحافظين ومن الإصلاحيين على حد سواء، تختلف التظاهرات الحالية عن تظاهرات 2009 التي عرفت بالثورة الخضراء إذ اندلعت لأسباب سياسية بحتة بعد فوز أحمدي نجاد بولاية رئاسية جديدة وحصوله على 63% من الأصوات متغلباً على منافسيه المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي رئيس الوزراء الأسبق، ومحسن رضائي رئيس الحرس الثوري الأسبق، والشيخ مهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الأسبق، وشككت المعارضة بنزاهة الانتخابات فخرج مئات الآلاف للاحتجاج على النتائج والمطالبة بعدم الاعتراف بها، فحملت التظاهرات شعار «أين صوتي؟» وتم قمع التظاهرات بالقوة المفرطة، أما الاحتجاجات الحالية، فخرجت وانتشرت لأسباب اقتصادية، ومن ثم تحولت لمطالبات سياسية. وعلى عكس التظاهرات في 2009 التي قادها مير حسين موسوي بمساعدة كروبي، لا يوجد قائد واضح للمظاهرات في 2017. تواجه إيران زلزالاً سياسياً يُشكل اختباراً لقادة الجمهورية الإسلامية. تنتشر حالة البؤس الاجتماعي بين الشعب الإيراني، وأيضاً القمع السياسي، في ظل نظام سياسي سلطوي ونخبة سياسية مكونة من إصلاحيين ومحافظين، تحتكر السلطة والموارد الاقتصادية. لقد فشل روحاني في تحقيق وعود ما بعد الاتفاق النووي، فهل سيتم التضحية بحكومته لضمان بقباء النظام الإيراني؟ نجاح التظاهرات في تطورها وتحولها لثورة شعبية شاملة مرهون بعوامل عدة داخلية وخارجية لا يسعنا المقام لتوصيفها، ولكن تبقى حقيقة أن إيران اليوم تمر بظروف تشبه ما كانت عليه قبل ثورة عام 1979، حيث يتسع غضب المواطنين على سياسات النظام الإيراني، فالآلاف الذين يخرجون إلى الشوارع كلَّ يوم في عشرات من المدن وفي جميع المحافظات الإيرانية، ويهتفون ضد الجمهورية الإسلامية هم «المحرومون»، أي القاعدة الجماهيرية للثورة الإسلامية. فالفئة التي تنزل اليوم إلى الشوارع هي نفسها التي شاركت في ثورة 1979 ضد نظام الشاه، وذلك أخطر ما في هذه الاحتجاجات الشعبية. وللحديث بقية؟