إلى أي حدّ يمكن الأخذ بتغريدات الرئيس دونالد ترامب على موقع «تويتر» على محمل الجدّ؟ لقد كانت أولى تغريداته مع بداية عام 2018 تتعلق بـ«الكذب والخداع» الذي تتبعه باكستان. وهي إشارة لقيت الكثير من الاستحسان والتأييد في الهند. وخلال السنوات السابقة، كانت هناك اتهامات أميركية وهندية لباكستان، ذات الإمكانات القوية عسكرياً والوكالات الاستخباراتية الخفيّة، باستخدام الإرهاب كأداة لإثارة القلاقل في الهند وأفغانستان. وبالنسبة للهنود، كانت تغريدات ترامب وتعليق المساعدات المالية لباكستان مؤشرات إيجابية، لكن الحقيقة الصادمة تكمن في أن «التأنيب» العلني لباكستان، كالذي يمارسه ترامب، وحتى قطع المساعدات الأمنية عنها، لن يكون له إلا نتائج محدودة جداً في بلد تعوّد على استغلال الخطاب المعادي لسياساته بطرق وأساليب مختلفة. والآن، تحمل باكستان الاعتقاد الراسخ بأن واشنطن سوف تعود للاستعانة بها من أجل إنهاء المهمة الأمنية نصف المكتملة في أفغانستان. وفيما بقيت دولارات المساعدات الأميركية لباكستان محل شدّ وجذب من سنة إلى أخرى، فإن الأمر يتطلب الآن التركيز على مهمة تنفيذ العملية الجراحية المتكاملة لاجتثاث جذور نظام دعم الإرهابيين في باكستان. ويوافق السفير الباكستاني السابق في الولايات المتحدة حسين حقّاني على هذا الطرح، حيث قال لي: «لقد أوهمت القيادة العسكرية الباكستانية نفسها بأنها تعمل على تحقيق المصالح الوطنية لباكستان، وكثيراً ما عبرت عن اقتناعها بأن المصالح الخاصة أكثر أهمية من المساعدات الأميركية. كما أن وقف المساعدات عنها لن يمثل الثمن الباهظ الكافي لإقناع باكستان بتغيير سياستها وموقفها من الإرهاب بعد نحو ثلاثة عقود من بروزه على الساحة. وينبغي على الرئيس ترامب أن يذهب في هذا المنحى إلى ما هو أبعد من قطع المساعدات، بحيث يجبر باكستان على التحرك في الاتجاه الصحيح». وأضاف: «إن ردّة الفعل المتراخية للولايات المتحدة تبدو وكأنها تشكل رسالة إلى باكستان من أنها ليست بحاجة إلى تغيير سلوكها». وعقب هذا الإجراء الذي أعلنه ترامب، فضلت وزارة الخارجية الهندية تجنب التعليق عليه. وقال لي سياسي هندي بارز يعمل في أفغانستان: «كثيراً ما فضحت الهند ذاتها سياسة الخداع والازدواجية التي تميّز سياسة باكستان عندما يتعلق الأمر برعاية وحماية عدة فصائل وجماعات إرهابية في الوقت الذي تدعي فيه أنها حليف مهم في الحرب على الإرهاب». ويتخوف الساسة الهنود من أنه وفي الوقت الذي أوحى فيه ترامب من خلال خطابه العنيف بحدوث تحول جذري في سياسة واشنطن، فإن وقف أو تخفيض المساعدات العسكرية الأميركية لباكستان سبق الإعلان عنه عدة مرات في السنوات الماضية، كان آخرها خلال إدارة أوباما. وأقولها بكل صراحة ووضوح فإنه ما من إجراء بين تلك الإجراءات أدى الغرض المنتظر منه. وخلال العام الماضي، شارك حسين حقاني بإعداد تقرير مع «ليزا كورتيس»، التي تعمل الآن في إدارة ترامب، يؤكد أن على الأميركيين التوقف عن اعتبار باكستان دولة حليفة. وجاء في التقرير الصادر عن معهد هودسون للدراسات: «على الإدارة السياسية للولايات المتحدة أن تعلم أن باكستان ليست حليفة للأميركيين. وهي التي عملت على دعم جماعة (طالبان) في أفغانستان التي قتلت جنوداً أميركيين هناك». وذهب التقرير إلى حد توجيه نصيحة للولايات المتحدة بأن «تحتفظ بخيار القيام بعمل عسكري منفرد يستهدف جماعة طالبان في باكستان ذاتها، وبأن لا تبقى الملاذات الآمنة لحركة طالبان الأفغانية في كويتا والأماكن الأخرى آمنة بعد الآن». وعلى أن هذه الإشارة الواضحة بإمكانية استخدام القوة لضرب الملاذات الآمنة للإرهاب داخل باكستان، تشكل الفحوى الأساسي لما قصده حسين حقاني عندما أشار إلى أن قطع المساعدات العسكرية عن باكستان هو إجراء غير فعّال إذا لم يقترن بعمل عسكري. وقد تكون لموقف ترامب من باكستان تداعياته أيضاً فيما يتعلق بالحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة والصين في آسيا، وخاصة بعد أن كثّفت باكستان من توجهاتها للفوز برضى الصين. وخلال هذا الأسبوع، وبعد أن أطلق ترامب تغريداته المتعلقة بباكستان على موقع «تويتر»، أعطى البنك المركزي الباكستاني الضوء الأخضر لاستخدام عملة اليوان الصيني بدلاً من الدولار باعتباره العملة الرسمية للتبادل التجاري مع الصين. وقد وظفت بكين أكثر من 60 مليار دولار في استثمارات البنى التحتية في باكستان، بما يدفعنا للتساؤل عما إذا كانت باكستان قد أصبحت وجهة أساسية لاستثمارات الصينيين. ويبقى السؤال المهم: هل سيؤدي حجب الدولارات الأميركية عن القيادة العسكرية الباكستانية إلى تغيير مهم؟ يتوجب على الولايات المتحدة الآن أن تضع حداً لاعتمادها على باكستان باعتبارها طريق التموين الرئيس لقوات حلف «الناتو» التي تعمل في المناطق الجبلية المنيعة لأفغانستان. وهذا يقتضي استخدام الممرات الشمالية المعقدة لدول آسيا الوسطى والتي تكلف أموالاً أكثر لنقل المؤن إلى القوات المقاتلة عن طريق الجو. كما أن ذلك سيجعل مهمة إقناع حركة «طالبان» بالجلوس على طاولة المفاوضات أكثر صعوبة. بارخا دوت كاتبة ومحللة سياسية هندية مقيمة في نيودلهي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»