عمد القاضي الفيدرالي في كاليفورنيا الثلاثاء الماضي إلى منع الرئيس دونالد ترامب من العدول عن تنفيذ برنامج «العمل المؤجل لوصول الأطفال» (DACA) والذي كان يخطط لتجميده في مارس المقبل (وهو سياسة لدائرة الهجرة تمنح لبعض الأشخاص الذين دخلوا الولايات المتحدة عندما كانوا قُصّراً، أكان دخولهم قانونياً أم غير قانوني، حق الحصول على إقامة قابلة للتجديد كل عامين تسمح لهم بالعمل). ويبدو الآن أن الدوافع التي تحثّ على حماية «الحالمين» أصبحت تستحق التقدير. لكن لو تحدثنا بلغة القانون فإن هذا الرأي الذي طلع به القاضي لا يُعدّ صحيحاً. وإذا كان الرئيس باراك أوباما يمتلك السلطة القانونية لتبني ذلك البرنامج عندما كان في البيت الأبيض، فإن ترامب يمتلك الآن السلطة القانونية لتجميده إذا وجد أنه يتجاوز صلاحيات أوباما الذي أطلقه. وكان حكم قاضي المحكمة الجزئية «وليام آلسوب» مبنياً على مطالعة تستند إلى «قانون الإجراءات الإدارية» (APA) التي تشير إلى أن إجراءات الوكالة التنفيذية ينبغي ألا تكون اعتباطية أو يمكن التراجع عنها. وكان رد المحكمة على هذا الطرح هو أن وزارة الأمن الوطني في إدارة ترامب قامت بعمل اعتباطي عندما أعلنت عن نيّة العدول عن برنامج «العمل المؤجل لوصول الأطفال». وعلّلت ذلك بأن البرنامج كان قانونياً بحيث لا يمكن لوزارة الأمن الوطني العدول عنه بحجة عدم شرعيته. وقد يبدو هذا الطرح معقولاً من الناحية المنطقية لولا أنه يصطدم بالعديد من المشاكل القانونية. تتعلق أولاها بمدى انطباق المعايير التي تحدد مفهومي العشوائية (أو الاعتباطية) والتراجع عن البرنامج المذكور. ويؤدي «قانون الإجراءات الإدارية» عمله بحيث يمكن للمحاكم أن تستشير الوكالات التنفيذية حتى تتأكد من أن أعمالها ومبادراتها مبنية على أساس سياسة منطقية سليمة. إلا أن القانون يتضمن حالة استثنائية لكل قرار مشروط قانونياً «بالعرض على الوكالة المختصة من أجل تقييمه». ويذكر أن النسخة الأصلية من برنامج «العمل المؤجل لوصول الأطفال» كان مستنداً على السلطة الاجتهادية للرئيس فيما يتعلق بطرق تنفيذ القانون الفيدرالي للهجرة. وعلينا أن نتذكر هنا أن «الحالمين» لا يتمتعون بحق البقاء في أميركا لأنهم أبناء مهاجرين غير شرعيين. وجاء البرنامج في صيغة قرار رئاسي يمنع السلطة التنفيذية من طردهم وترحيلهم. وتعتقد إدارة ترامب أنه لو كان البرنامج بحد ذاته يعدّ مقياساً للتعقل والحكمة، فإن قرار العدول عنه يمكن أن يُعتبر كذلك أيضاً، وبحيث لا يتعرض اقتراح تجميده للمراجعة استنادا إلى «قانون الإجراءات الإدارية». وبمعنى آخر، ليس من اختصاص المحكمة أن تخبر الرئيس ترامب بأنه لا يملك حق تجميد قرار مبني على المنطق وبحيث لا تجوز مراجعته والذي اتخذه رئيس سابق. وعندئذ، سارع القاضي الفيدرالي لرفض هذا الزعم، وقال إنه ما دام القرار لا يقضي بطرد «الحالمين» فسوف يعتبر منطقياً ولا يجوز العدول عنه أو مراجعته. ثم إن قرار الطرد ذاته لا يمكن اعتباره منطقياً. وأضاف القاضي بأن هناك أسباباً أخرى تتطلب مراجعة سلوك وزارة الأمن الوطني لأن البرنامج دعا «الحالمين» للظهور مرة أخرى على السطح وأعاد إليهم الأمل، وأما تجميده فسوف يعرضهم لعواقب تعتبر خرقاً لمفهوم الحريات العامة فضلاُ عن أنه يضر بالمصالح الوطنية الخاصة والعامة. والمشكلة القانونية الثانية التي ينطوي عليها قرار محكمة كاليفورنيا تتعلق بإعلانها بأنه كان أمراً اعتباطياً من وزارة الأمن الوطني عندما فكرت بتجميد البرنامج. والمستند الأساسي الذي تبنته إدارة ترامب لإنهاء العمل بالبرنامج هو الإشارة إلى أنه لم يكن قانونياً عندما أصدره أوباما لأنه يتجاوز سلطته الدستورية. وهو نفس الرأي الذي أخذت به المحكمة الجزئية في تكساس والذي جمدت بموجبه العمل بخطة «العمل المؤجل لأولياء الأمور الأميركيين» وهو القرار الصنو لبرنامج «العمل المؤجل لوصول الأطفال»، وهو يسمح لأولياء الأمور الذين لا يمتلكون وثائق الإقامة النظامية بالبقاء في أميركا. ووافقت عليه محكمة الاستئناف، وانقسم بشأنه قضاة المحكمة العليا للولايات المتحدة بواقع 4 معه، و4 ضده، بعد وفاة القاضي أنتونين سكالياس وقبل أن يعلن ترامب عن ترشيح نيل جورساتش قاضياً جديداً في المحكمة. وعارضت هذا القانون المحكمة الجزئية في كالفورنيا وقالت مصادرها أن برنامج «العمل المؤجل لوصول الأطفال» سليم من النواحي القانونية وأن المحكمة العليا لم تقل بغير ذلك. وأنا أتمنى أن تتحول أي نسخة معدلة من برنامج «العمل المؤجل لوصول الأطفال» إلى قانون، إلا أن هذا القرار القضائي لن يكفي لإنقاذ «الحالمين» مهما كان مستوى الاهتمام الذي يحظى به. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»