وجّه قرار شركة «فيزر» نهاية الأسبوع الماضي، بإغلاق برامج أبحاث العلوم العصبية (Neuroscience Discovery Programmes)، ضربة قاسية للآمال في اكتشاف أدوية وعقاقير طبية يمكنها علاج العديد من أمراض المخ الواسعة، وخصوصاً العَتَه أو الخَرَفُ المعروف بالزهايمر، ومرض الشلل الرعاش. ويأتي قرار عملاق صناعة الأدوية، والذي سينتج عنه فقدان أكثر من 300 وظيفة، في أعقاب استمرار فشل الأبحاث والدراسات في اكتشاف علاج للزهايمر، أو حتى عقار يمكنه من إبطاء تسارع المرض والتخفيف من أعراضه وعلاماته، وبنسبة فشل تقدر بـ99 في المئة، على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية. وبوجه عام يستخدم مصطلح العَتَه أو الخَرَفُ (Dementia) كمظلة واسعة يندرج تحتها عدد من الأمراض التي تؤثر على الذاكرة، والسلوك، وغيرهما من القدرات الذهنية، بدرجة تعيق المصاب عن القدرة على القيام بالنشاطات اليومية المعتادة. ورغم أن التقدم في العمر يعتبر من أهم عوامل الخطر للإصابة بالخَرَفُ، فإن الخَرَفُ لا يعتبر مساراً طبيعياً للشيخوخة، بمعنى أن التقدم في العمر لا يؤدي بالضرورة للإصابة بالخَرَفُ. وتقدر منظمة الصحة العالمية إصابة 50 مليون شخص حالياً بالخَرَفُ، مع تشخيص 10 ملايين حالة جديدة سنوياً. ورغم أن مرض الزهايمر يعتبر أكثر أنواع الخَرَفُ انتشاراً، وبنسبة ما بين 60 إلى 70 في المئة من إجمالي الحالات، إلا أنه ليس بالمرض الوحيد المندرج تحت منظومة العَتَه أو الخَرَفُ. وبالنظر إلى مدى انتشار هذا الاضطراب، يعتبر الخَرَفُ من الأسباب الرئيسية للإعاقة بين كبار السن والشيوخ، ولاضطرارهم للاعتماد على الآخرين في حياتهم اليومية. ولذا يحمل الخَرَفُ في طياته ثمناً فادحاً، ليس فقط على الصعيد البدني، والنفسي، والاجتماعي، وإنما أيضاً على الصعيد الاقتصادي، على المصابين، وعلى من يتولون رعايتهم من الأهل والعائلة، ومن ثم على المجتمع برمته. ويُرد جزء كبير من الفشل المتوالي في تحقيق اختراقات ملحوظة على صعيد اكتشاف عقاقير جديدة للعَتَه والزهايمر، إلى قصور فهم الطب الحديث للمخ البشري، وعجزه عن الإدراك الكامل لكيفية أدائه لوظائفه، وتعقيده الشديد على الصعيدين التشريحي والفسيولوجي. ولذا أصبحت الكثير من البحوث المعنية بعلاج الاضطرابات الذهنية العضوية، تركز جهودها على العلوم الأساسية المتعلقة بالمخ والجهاز العصبي، وخصوصاً الوظائف الفسيولوجية، والعمليات الكيميائية، والتركيبة الوراثية. وتظل العديد من شركات الأدوية الكبرى الأخرى، مثل «نوفارتس» و «بيوجن» و «إلي-ليلي» و «جانسن»، تستثمر في الأبحاث الهادفة للعثور على عقار لعلاج مرض الزهايمر، باذلة جهوداً حثيثة في فهم كيفية أداء المخ لوظائفه المختلفة، والاضطرابات الكيميائية والفسيولوجية التي تؤدي إلى اختلال تلك الوظائف. ويدعم هذه الجهود بشكل كبير، الحكومات، ومؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات الصحية الخيرية القومية والدولية. فعلى سبيل المثال تبرعت «جمعية الزهايمر» في بريطانيا بمبلغ 50 مليون جنيه إسترليني «لمعهد دراسات الخرف»، بالإضافة إلى مؤسسة أبحاث الزهايمر البريطانية، ومجلس الأبحاث الطبية. ومن الدراسات المثيرة في العته والخرف، دراسة أميركية قارنت بين معدلات الإصابة بين مجموعتين، وبخلاف الفارق البيّن بينهما في معدلات الإصابة، كان هناك أيضاً فارق آخر، تجسد في تباين بين المجموعتين في عدد سنوات التعلم والدراسة. ففي المجموعة التي خضعت للدراسة عام 2000، وكانت تعاني من ارتفاع في معدلات الإصابة، أو 11.6 في المئة، بلغ متوسط مجمل سنوات التعلم 11.8 عام. أما أفراد مجموعة سنة 2012، التي انخفضت معدلات الإصابة لدى أفرادها إلى مجرد 8.8 في المئة، فكان متوسط مجمل سنوات التعلم لديهم هو 12.7 عام، وهو ما يعني أن زيادة عدد سنوات التعلم بنحو سنة واحدة فقط، سواء من خلال المدرسة أو لاحقاً في الجامعات، ارتبط وترافق بانخفاض معدلات الإصابة بنحو 3 في المئة. ويحتمل أن تكون هذه العلاقة بين معدلات الإصابة وسنوات التعلم هي نتيجة التحديات العقلية والرياضة الذهنية، اللتين تترافقان مع سنوات الدراسة، ما يوفر حماية لخلايا المخ في المراحل المتأخرة من الحياة، كما يحتمل أيضاً، أنه مع التقدم في العمر وبدء الخلايا العصبية في الاضمحلال والانحلال، تساعد سنوات الدراسة باقي خلايا المخ على إعادة تنظيم الوصلات العصبية الكهربائية بداخله، والاعتماد على خلايا أخرى كانت كامنة، واستغلال طاقات المتاح من الخلايا السليمة بحد أقصى، وهو ما يساعد في النهاية على تعويض التدهور المصاحب، أو على الأقل منع وتأجيل ظهور الأعراض.