التفوق الهندي لافت على مستوى العالم، لا تخطئه العين، ويشمل عدداً من المجالات الحيوية أبرزها التقنية لكن مجال الإدارة هو الغالب. إنجازاتهم توزعت على عدد من البلدان المتقدمة رغم تاريخها في الحضارة المعاصرة، من بينها أميركا نفسها، التي وصلت إلى ما يمكن أن يصل إليه العقل البشري من ابتكارات. ما أسرار تفوّق الهنود عالمياً؟ في ألمانيا، هنالك حراك بعيد عن صخب الإعلام، يجري بهدوء، ميدانه المدارس والجامعات والمعاهد المتخصصة، العارفون يعتقدون أنه واعدٌ ويؤشّر على آفاق واسعة. ألمانيا ما بعد المهاجرين، هل أصبحت أقرب إلى تحقيق حلمها الإمبراطوري بدماء جديدة؟ فؤاد زكريا، الأميركي الجنسية الهندي الأصل، صاحب البرنامج الشهير في قناة (سي. إن. إن)، ورئيس تحرير مجلة (تايم)، يقول في كتابه (عالم ما بعد أميركا): لقد عملت أميركا على عولمة العالم، ونسيت أن تعولم نفسها. إن أميركا التي علمت العالم صارت اليوم أكثر تواضعاً، وعادت لتتعلم، في إشارة منه إلى الأدمغة القيادية الهندية. فمنذ سنوات احتلت الهند المرتبة الثانية، بعد الولايات المتحدة، في عدد فلاسفة الإدارة العظماء، وجاءت بريطانيا في المرتبة الثالثة. في أميركا اليوم، تروج معلومات صحفية ربما قد تنقصها الدقة، أن مجموع مرتبات 50 مديراً تنفيذياً هندياً ممن يقودون شركات أميركية مرموقة، يتجاوز ملياري دولار سنوياً. أما إذا أضيفت إليه مرتبات المهندسين خبراء التقنية الهنود في هذه الشركات الأميركية وغيرها، فإن الرقم سيتجاوز عشرات المليارات من الدولارات، ليقترب من موازنات العديد من الدول العربية والأفريقية. كتاب (نهج الهند) وضعه أربعة مؤلفين وأساتذة هنود في كلية (وارتون للأعمال) في بنسلفانيا، حددوا فيه أسباب التفوق الهندي: العمل الشاق والاندماج الكلي في العمل، سرعة التكيّف مع المتغيرات، تحقيق إنجازات كبيرة بموارد محدودة، التركيز على المجتمع والأسرة والموظفين أكثر من التركيز على حملة الأسهم في الشركة. يضاف إلى ذلك المشاركة والتواضع وقبول الآخر. عُرف عن الطلبة الهنود في أميركا اهتمامهم بالرياضيات والعلوم، وقبول التنافس الضاري في سوق العمل. يبقى أن الشركات التالية كلها يرأسها هنود: (بيبسي - أندرا نويي)، (أدوبي - شانتاو نارايان)، (ماستر كارد - آجاي بانجا)، (سيتي جروب - فيكرام بانديت)، (دويتش بنك - آنشوجين). في قناة (دي دبليو) الألمانية، شاهدت برنامجاً اسمه (شباب توك) يقدمه شاب عربي ألماني، استضاف في إحدى حلقاته ثلاثة شبان صغار تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثالثة عشرة عاماً. أحدهم موسيقي ويعزف على الكمان منذ سن الخامسة، وحصل في سن الـ13 عاماً على فرصة للعزف مع فرقة سمفونية شهيرة. الثاني ملقب بإمبراطور القراءة وحاصل على جائزة القراءة في ألمانيا لمرتين. يقرأ كتاب 250 صفحة بوقت قياسي. يتحدث الألمانية والإنجليزية والعربية، ويرفع شعاراً بلهجته المحببة (اقرأ كثير وشوف شو يصير). أما الثالث فملقب بالساحر، يهوى كرة القدم وعمره ثمانية أعوام، استعرض بعض حركاته الرشيقة فكانت لافتة بحق. سأله المذيع لماذا لا ينضم إلى فريق كرة قدم؟ أجابه قالوا لي في النادي أنني لم أبلغ بعد سن الالتحاق. المشترك بين الصبية الثلاثة أنهم مهاجرون سوريون، احتضنتهم ألمانيا بمناخاتها المختلفة لأنها تدرك أهميتهم، فنمت مداركهم سريعاً، وهضموا معارف ومرئيات وقيماً مختلفة قامت بها المدرسة والأسرة، فأنتجوا ووضعوا أقدامهم مبكراً على طريق المجد. ألمانيا أحد مجتمعات أوروبا العجوز، قررت أن تتجدد بدماء المهاجرين. حقيقة التقطتها القيادة السياسية فاستقبلت مليون مهاجر وأكثر، تدافع بضراوة عن وجودهم وأهميتهم لها أمام أي تعليق سلبي.