أظهرت بيانات مقارِنة جديدة أن هناك حالة توافق في أوساط الرأي العام الأميركي والروسي حول عدد من القضايا الأساسية المتعلقة بالسياسة الخارجية، بما في ذلك ضرورة مواجهة التهديدات التي ينطوي عليها الإرهاب العالمي، والالتزام بحظر انتشار الأسلحة النووية في أنحاء العالم، وضرورة إنهاء الحرب الدائرة في سوريا. بيد أن هناك أيضاً فروقا واسعة في وجهات النظر حول الأولويات المتعلقة بالتعاون في مجال السياسة الخارجية بين الدولتين العظميين، فضلاً عن تباين الرؤى حول حجم الخطر الذي يشكله البرنامج النووي لكوريا الشمالية. وتم تجميع البيانات التي بادر إلى نشرها «مجلس شيكاغو للعلاقات الدولية» بمساعدة من «مركز لافادا» الروسي لإجراء استطلاعات الرأي، في وقت تراجعت فيه العلاقات بين واشنطن وموسكو إلى مستوى قريب من المستوى الذي كانت عليه بعيد نهاية حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق. ومما زاد من حدة التوتر بين البلدين في الآونة الأخيرة، تلك الاتهامات الأميركية للروس بالتدخل في الانتخابات الرئاسية والخلاف حول طريقة معالجة الأوضاع في سوريا وأوكرانيا ومناطق وقضايا أخرى. واتضح من خلال استطلاع رأي نشر نتائجه «مجلس شيكاغو» في عام 2016 أن قبول الرأي العام الأميركي لروسيا هبط إلى أدنى مستوى له خلال 30 عاماً. وبالرغم من حالة التباعد بين البلدين، فإن البيانات التي تم استقاؤها من الاستطلاع المذكور تفترض بأن لمواطني الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية رؤى مشتركة حول المخاطر الكبرى التي تهدد الدولتين. وعندما طلبنا من المشاركين في الاستطلاع ترتيب أخطر التهديدات التي تواجه وطنهم بحسب الأولوية، قال 70 في المئة من المشاركين الروس إن الإرهاب العالمي يقع في المقدمة، وجاء التعصب الإسلامي في المرتبة الثانية، واحتل انتشار الأسلحة النووية المرتبة الثالثة (52 في المئة). ويمكننا أن نلاحظ هنا أن هذه الأرقام تعكس بشكل واضح المخاوف الأميركية ذاتها، حيث قال 75 في المئة من الأميركيين أن الإرهاب العالمي يعدّ تهديداً خطيراً للأمة. ورأى 59 في المئة منهم أن التعصب الإسلامي يحتل المرتبة الثانية، فيما قال 62 في المئة بأنهم يتخوفون من خطر انتشار الأسلحة النووية. وبدا وكأن هناك اختلافاً كبيراً بين الرأي العام في الدولتين حول الموقف من البرنامج النووي لكوريا الشمالية حيث قال 37 في المئة من الروس إنه يشكل تهديداً خطيراً، مقابل 75 في المئة من الأميركيين. وليس من المفاجأة أن نعلم أن الأميركيين والروس يتشاركون المخاوف من هذه القضايا على الرغم من الاختلافات القائمة بينهم أصلا. فقد كانت الولايات المتحدة وروسيا هدفاً لهجمات الإرهاب العالمي من المتعصبين الإسلاميين، مثل تنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتمتلك الدولتان أضخم ترسانتين في العالم من الأسلحة النووية، وقد حرصتا في الماضي على التعاون مع بعضهما البعض لمنع انتشار تلك الأسلحة على الرغم من أن بعض المنظمات ترى أن جهود التعاون الثنائي بينهما في هذا المجال قد باءت بالفشل خلال السنوات القليلة الماضية، وفقاً لما تقوله «رابطة مراقبة الأسلحة النووية». وتنظر كل من الولايات المتحدة وروسيا إلى البرنامج الصاروخي لكوريا الشمالية بطريقتين مختلفتين. ووفقاً لطبيعة علاقاتهما مع حكومة بيونج يانج. وقد قالت كوريا الشمالية بكل وضوح إن برنامج تسلحها مخصص لمهاجمة الولايات المتحدة، وخلال السنوات القليلة الماضية، تم توجيه الاتهام لموسكو بتقديم دعم خفي لكوريا الشمالية ونظامها الحديدي. وتناول الاستطلاع المشترك الذي أجراه «مجلس شيكاغو» و«مركز ليفادا» الأولويات التي يجب الالتزام بها لقيام أي تعاون فعال بين الولايات المتحدة وروسيا في مجال السياسات الدولية. وهنا يتضح الاختلاف العميق بين مواقف الرأي العام في الدولتين. وبالنسبة للروس، تتعلق العوامل الأكثر أهمية بتخفيض عدد الأسلحة النووية في العالم (27 في المئة)، متبوعاً بإنهاء الحرب في سوريا (24 في المئة)، ثم محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط (18 في المئة). وفي المقابل، يرى الأميركيون أن برنامج كوريا الشمالية لإنتاج الأسلحة النووية هو التهديد الأعظم والأشد خطراً على الأمن العالمي، ومن ثم تقتضي مواجهته التعاونَ مع روسيا، وهي النقطة التي اختار التركيز عليها 38 في المئة من الأميركيين كقضية أولى، مقابل 14 في المئة فقط لمشكلة الفشل في منع انتشار الأسلحة النووية بشكل عام. ولم تستحوذ فكرة التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط إلا على موافقة ما بين 5 و6 في المئة فقط من الذين تم استطلاع آرائهم في الولايات المتحدة. وتلتقي آراء الأميركيين والروس إلى حد ما حول أهدافهما من التدخل في سوريا. إلا أن البيانات التي تم استنتاجها من استطلاع «مجلس شيكاغو» حول هذه النقطة تشير إلى أنه وبالرغم من أن 68 في المئة من الأميركيين يؤيدون استخدام الضربات الجوية ضد الفصائل الإسلامية المتطرفة في سوريا، فإن 45 في المئة منهم يؤيدون فكرة توجيه ضربات جوية ضد القوات الموالية لبشار الأسد، فيما يرى 28 في المئة منهم ضرورة التدخل المباشر بوساطة القوات العسكرية البرية لإجبار الأسد على التخلي عن السلطة. وبالرغم من أن القوات الروسية تدعم قوات الأسد في سوريا، إلا أن 27 في المئة فقط من الروس يوافقون على مساهمة قوات بلادهم في حماية الأسد من السقوط. وقد عبّر 48 في المئة منهم عن دعمهم للحرب الروسية ضد الفصائل الإرهابية في سوريا والعراق. وبشكل عام، يبدو أن هناك عدم اتفاق على طريقة إدارة الحرب في سوريا. وقد وجد استطلاع الرأي أن 33 في المئة من الروس يرون أن النتائج السلبية لتدخل روسيا في الحرب السورية تفوق النتائج الإيجابية مقابل 31 في المئة يرون عكس ذلك. آدم تايلور: محلل بريطاني في العلاقات الخارجية مقيم في لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»