تُعتبر استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة، التي أُفرج عنها الشهر الماضي، وثيقة جديرة بالإشادة، كونها تعكس إدراكاً لكيفية تفاعل البلدان، وتوفّر شبكة شاملة لحماية المصالح الأميركية عبر العالم. استراتيجية ترامب للأمن القومي تختلف عن سابقاتها من نواح عدة، إذ تشير إلى منافسي أميركا وتحدِّدهم. ومن هؤلاء قوى دولية مثل الصين وروسيا، ودول مارقة مثل إيران وكوريا الشمالية، ومن تسميهم الوثيقة «إرهابيين جهاديين»، وهو مصطلح يستحق الإشادة كونه يمثل حلاً وسطاً بين مصطلحين متطرفين: الأول هو «التطرف العنيف» الذي يتجاهل الأصول الإسلامية للتهديد الإرهابي المعاصر، والثاني هو «الإسلام المتشدد» الذي كثيراً ما بدا مجحفاً في حق دين بكامله. وتُعد الاستراتيجية الجديدة وثيقة قوية ومقنعة، وإطاراً فعالاً للانخراط الأميركي عبر العالم، غير أن نجاحها سيتوقف في نهاية المطاف على ترامب. وقد شدد مستشار الأمن القومي إتش.آر.ماكماستر على أن الرئيس أقرَّ مفاهيمها الرئيسة، وفي خطوة غير مسبوقة أعلن ترامب عن الاستراتيجية بنفسه. والرسالة الضمنية هي أن الأمر يتعلق باستراتيجيته هو، وليس باستراتيجية كتبتها له مجموعةٌ من المستشارين المنفصلين عن الواقع وعن رؤية الرئيس. غير أنه حتى هذه المرحلة من رئاسته، كثيراً ما حاد ترامب عن الأركان الرئيسة لاستراتيجيته للأمن القومي أو تجاهلها. والحال أن الولايات المتحدة لا يمكنها الترويج للقيم الأميركية في الخارج إذا كان التصور السائد هو أنها تنتهك هذه القيم في الداخل. ففي هذه الحالة، تصبح فكرة «الاستثناء الأميركي»، وهماً وشعاراً أجوف لأنها ليست مطابقة للواقع. كما أن الموظفين لا يمكنهم رفع القدرات الدبلوماسية الأميركية إذا كانوا يشعرون بانهيارمعنوياتهم وتثبيط عزيمتهم وعدم تقديرهم حق قدرهم. وللدفع بمصالحها في المنتديات الدولية، لا يمكن للولايات المتحدة أن تفكك هذه المؤسسات من دون بدائل حقيقية وصلاحيات واضحة. وعليه، فإن ترامب يمكنه استعادة نفوذ أميركا العالمي إذا احترم التزاماته الداخلية والخارجية. دانييل فايديتش زميل «المجلس الأطلسي» في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»