ربما كان الجزء الأكثر إثارة للإعجاب في خطاب الرئيس ترامب حول حالة الاتحاد هو دعوته لبعض الأشخاص المتفوقين من أجل تكريمهم. وكان منهم أبطال عسكريون وكوريون شماليون منشقّون عن نظام «كيم» وغيرهم. ولا شك أن قائمة المدعوين تم اختيارها بدقة بحيث تزيد من نقاط قبول ترامب في استطلاعات الرأي. وكان ممن فاز بالتكريم، عائلتان قتلت بناتهما على أيدي أفراد عصابة «إم إس 13 الإجرامية» المؤلفة من الأميركيين الأصيلين غير المهاجرين. وهناك أشخاص كنت أتمنى لو دعاهم الرئيس إلى حفل التكريم، منهم عائلة السيدة الفيتنامية «هيلين هوين»، وهي مواطنة أميركية ممن وعد ترامب بحمايتهم، لكنها ماتت الجمعة الماضي بسبب الإجراءات الجديدة لمنح التأشيرة. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن هيلين مهاجرة من فيتنام، وصلت إلى كاليفورنيا عام 1991 مع زوجها الذي حارب إلى جانب الجيش الأميركي في حرب فيتنام. وبعد سقوط سايجون، قضى ثماني سنوات في معسكر سيئ السمعة لدراسة مدى قدرة الإنسان على تحمل التعذيب. وكان لعائلة «هوين» ابنتان قبل هجرتها إلى الولايات المتحدة ثم رزقت بثالثة بعد وصولها. والآن أصبحت الصغرى، التي سميت تيفاني، في أواسط العشرينيات من عمرها وتعاني من «متلازمة داون». وتولت هيلين رعاية ابنتها المريضة وانصرف الأب للعمل المزدوج فكان يقوم بتوصيل طلبات البيتزا إلى البيوت ويبيع الصحف لكسب رزق عائلته. وقبل عام، وعندما بلغت الأم هيلين عامها الحادي والستين، شخّص الأطباء إصابتها بسرطان الدم النخاعي «اللوكيميا»، وقالوا إن زراعة خلايا جذعية من نخاع سليم هو العلاج الوحيد لإنقاذ حياتها. وأظهرت التحاليل الطبية أن إحدى أختيها المقيمة في فيتنام هي مَن تملك أفضل خلايا نخاعية لعلاجها. وكان كل ما يتوجب عليها فعله هو الحضور إلى الولايات المتحدة. لكن القنصلية الأميركية في هانوي رفضت منحها تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة بعد أن تقدمت بطلبها ثلاث مرات. وكانت القنصلية تتخوف من أن تبقى أخت هيلين في أميركا بشكل دائم رغم أنها تعمل في فيتنام ومتزوجة ولها عائلتها. وأخيراً، وبعد ضغوط من المشرّعين في كاليفورنيا، حصلت أخت هيلين على التأشيرة، لكنها جاءت في وقت متأخر جداً لأن الحالة الصحية لهيلين لم تعد تسمح بزراعة النخاع وماتت الأسبوع الماضي. تلك مأساة أشعر أنها تستحق كل الاهتمام لأن أمي أيضاً لاجئة هاربة من الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق. وفي العام الذي ولدتني فيه (1961)، هربت إلى أميركا وحصلت على الجنسية وأصبحت مواطنة أميركية وعملت بعد ذلك بتدريس اللاجئين. وفي أغسطس الماضي، أصيبت بسرطان الدم، وكان أطباؤها يأملون أن تتحسن حالتها عن طريق العلاج الكيميائي والجرعات الدوائية التجريبية تمهيداً لزرع خلايا جذعية نخاعية. وأجروا التحاليل على نخاعي باعتباري أحد المانحين المحتملين، لكنهم استبعدوني لأن درجة تطابق نخاعي مع حالة والدتي بلغت 50 بالمئة فقط. وفي النهاية، اتضح أن العلاج الكيميائي لم ينجح، وأن عملية زرع النخاع لم تعد مجدية. وبينما كانت أمي ما تزال على قيد الحياة بعد أن بلغت عامها الحادي والسبعين، حزن عليها الأصدقاء وأفراد العائلة، لأنه لا سبيل لعلاجها. وقد أحسسنا بالألم الذي عاشته هيلين وأسرتها. وفهمنا أيضاً أن العلاج الناجح بات متيسراً وجاهزاً لتحدي كل الأمراض فيما عدا تلك التي تعاني منها حكومتنا. وهذا السلوك البيروقراطي الأحمق الذي أدى إلى موت هيلين يمكن أن يحدث تحت حكم أي إدارة أميركية، لكن الأرجح أن يتم تبنيه بشكل خاص في ظل حكم رئيس عمل كل ما بوسعه لتشويه صورة المهاجرين، وسارع للإعلان عن إجراءات صارمة جديدة لمنعهم من الدخول. وفي حقيقة الأمر، لم يفعل موظفو القنصلية الأميركية في هانوي إلا ما أُمروا به. القصة المحزنة لهيلين لفتت الأنظار إلى شيء لم يتذكره ترامب أبداً، ويتعلق بالثمن الباهظ لغلق الأبواب في وجوه القادمين الجدد. فهؤلاء يعملون بأقصى طاقاتهم ويحاولون الإبداع والابتكار، وهم يساعدون في الحفاظ على شباب قوتنا العاملة ويساهمون في تجديد القوى التي ترفد اقتصادنا. وإلى ذلك فإن عدداً كبيراً منهم يخدمون في قواتنا المسلحة ويحتكمون إلى براعات تقنية لا يمكن تعويضها فضلاً عن التزامهم باحترام القوانين الأميركية. ------------------------ *محلل أميركي متخصص ببحوث الأمن الوطني --------------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»