انتهت فعاليات مؤتمر إعمار العراق الذي عقد في الكويت بين يومي الـ11 والـ13 من شهر فبراير الجاري، وجاءت حصيلة التبرعات والاستثمارات التي قدم بها المشاركون وعوداً والتزامات للعراق بنحو 30 مليار دولار، وهو مبلغ جيد لبداية الإعمار، رغم حقيقة أن المسؤولين العراقيين قد أعلنوا بأن بلادهم تحتاج إلى 10 سنوات للتعافي وإلى مبلغ بـ88.2 مليار دولار كتكاليف لإعادة الإعمار، وهو رقم يبدو مبالغاً فيه. وعلينا الإقرار بأن الخطوة الكويتية لإعادة إعمار العراق أتت من طرف لديه مصلحة كبيرة في استقرار العراق، لأنه لا يمكن للمنطقة أن تستقر بدون استقرار بلد مهم ورئيسي مثل العراق. ويبقى السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم هو: ما هي المعوقات الرئيسة التي قد تعرقل المجهود العربي والدولي لإعادة إعمار العراق دون بلوغ أهدافه؟ يرى المراقبون الاقتصاديون الذين حضروا مؤتمر الكويت أن مسألة إعادة الإعمار والاستفادة من الهبات والاستثمارات الأجنبية التي سيتم إنفاقها على العراق، يتطلب نجاحها وجود بيئة مناسبة للاستثمار وإعادة الإعمار، وهذا يتطلب خروج العراق من آثار الحرب الأهلية المدمرة، وما تركته من تأثيرات سلبية للغاية على الدولة والمجتمع العراقيين، بمعنى أنه يجب أن تكون في العراق حكومة وطنية ديمقراطية تؤمن بالتعددية ولا تسمح للأحزاب الطائفية والدينية بالهيمنة أو الاستحواذ الكامل على مقاليد الأمور في المجال العام. وهناك قضايا جوهرية يجب الالتفات إليها قبل البدء في عملية إعادة الإعمار، ومن ذلك معالجة ظاهرة تفشي الفساد وتمكنه من مؤسسات الدولة وأحزابها، إذ لا يمكن ضخ ملايين أو مليارات الدولارات من الاستثمارات في بلد يعتبر من أكثر بلدان العالم انتشاراً للفساد فيه. وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليزا رايس ذكرت بأن عملية إعادة الإعمار في العراق انتهت بأكبر عملية نصب في التاريخ، حيث هيمن الفساد وصراع الشركات الأجنبية، والتي توقفت جميعها على حقيقة الإرهاب والتطرف وملاحقة فلول «البعث». الحقيقة المرة هي أن العراق بلد غني بثرواته الطبيعية والبشرية، ويكفي أن نذكر بأنه اليوم يعتبر رابع أكبر مصدِّر للنفط في العالم، بعد السعودية وروسيا والولايات المتحدة، إذ ينتج نحو خمسة ملايين برميل يومياً، ولديه أراض زراعية ضخمة وصناعات ومناطق سياحية جميلة يمكن استغلالها لو استقرت أوضاعه. والسؤال الذي يتعين على الساسة العراقيين الإجابة عنه هو: أين تذهب ثروات العراق؟ وإلى متى سرقة أموال الشعب العراقي؟ منظمة الشفافية الدولية ذكرت أن العراق يحتل المرتبة 166 في قائمة تضم 175 دولة في مؤشر الفساد وسوء الإدارة. وذكرت المنظمة في تقريرها السنوي أن المؤسسة الأكثر فساداً في البلاد هي الأحزاب السياسية، يليها البرلمان، ثم القضاء، ثم المؤسسة العسكرية، بل إن رئيس لجنة النزاهة العراقية حسن الياسري يصف مهمته في محاربة الفساد بمن يحاول تحويل مياه البحر باستخدام ملعقة. وأخيراً نتمنى أن يعي الساسة العراقيون بأن أموال إعادة الإعمار تمثل الفرصة المناسبة للبدء في الاهتمام ببلدهم وإعادة بنائه.