لماذا لم تستطع بريطانيا وحلفاؤها في «الناتو» ردع فلاديمير بوتين على نحو يثنيه عن أعمال مثل استخدام غاز أعصاب قاتل في مدينة بريطانية مسالمة؟ اسألوا جيريمي كوربن. فعندما قوبل باستنتاج حكومته القائل بأن روسيا مسؤولة عما يرقى إلى هجوم عسكري على بلاده، (أ) رفض زعيمُ حزب العمال المعارض الاعتراف بأن الكريملن هو المسؤول، و(ب) ألقى بظلال من الشك على الاستخبارات البريطانية، و(ج) اشتكى من أن موسكو لم تُمنح محاكمة عادلة، و(د) قال إن الرد المناسب هو «حوار بنّاء». بعبارة أخرى، إن كوربن كرر العبارة نفسها التي يرددها مروجو الدعاية التابعون لبوتين. ثم هناك الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ فبعد أن حمّلت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي المسؤولية عن الهجوم لروسيا، أشار ترامب إلى أنه ما زال من الضروري «استجلاء الحقائق» قبل اتهام «أي شخص». وعندما قدمت ماي حججها ضد موسكو وطلبت دعماً دولياً، ألقى ترامب خطاباً ندد فيه بقائمة طويلة من حلفاء الولايات المتحدة، مثل كندا والمكسيك وكوريا الجنوبية واليابان.. لكنه لم ينبس بكلمة حول استخدام أسلحة كيماوية ضد أقرب حلفاء أميركا، ولم يكن مستعداً للقول «إن الروس كانوا وراءه على ما يبدو» إلا يوم الخميس، رغم أن حكومته أصدرت بياناً أكثر وضوحاً. إن بوتين يطلق مغامرات لم يجرؤ حتى الاتحاد السوفييتي على محاولتها، مثل مهاجمة جنود أميركيين في سوريا، لأنه يستطيع التعويل على حلفاء بحكم الواقع لإضعاف وعرقلة أي رد، مثل كوربن في لندن، والذي لديه احتمال بنسبة 20% تقريباً ليصبح رئيس وزراء بريطانيا المقبل، كما يقول بعض المراقبين. وإلى ذلك، فإن رئيس الوزراء المجري ورئيس جمهورية التشيك، وهما بلدان عضوان في «الناتو»، يميلان منذ وقت إلى أسلوب بوتين، شأنهما في ذلك شأن بعض متصدري الانتخابات الإيطالية الأخيرة. وبالتالي يمكنه التعويل على الركن الغربي لروسيا للقول بأن العقوبات تأتي بنتائج عكسية، وبأن الغرب نفسه يتحمل مسؤولية «خلق توترات» مع بوتين، وبأن المسار الصحيح هو مزيد من «الحوار القوي». وطبعاً، فإن بوتين تلقى عقوبات بسبب غزوه لشبه جزيرة القرم وضمها، ومواصلته الهجوم على شرق أوكرانيا، وقيامه بهجمات سيبرانية ضد أميركا ودول أوروبية، وشنه حرباً في سوريا. لكن العقوبات، بما فيها تلك التي أعلنتها بريطانيا وأميركا، كانت متواضعة وتقليدية، حيث تم طرد بعض الجواسيس الذين ينشطون تحت غطاء دبلوماسي، وحُظرت بعض الشركات وبعض الأوليغارشيين المتورطين في الأعمال المذكورة. لكن ما لم يحدث هو إجراءات مالية وسيبرانية وعسكرية محكمة التصميم والتنفيذ وقادرة على تهديد بوتين بشكل جدي. هذا لا يعني أن لا شيء من ذلك موجوداً، وإنما أن الحكومات الغربية المنقسمة غير قادرة على الاتفاق. وفي هذا الصدد، يقول الدبلوماسي والمسؤول السابق عن سياسة العقوبات في وزارة الخارجية الأميركية دانيل فريد: «لدينا أدوات نستطيع استعمالها، لكن البريطانيين لا يستطيعون القيادة، ومع أن هذا قد يتغير، فإن ترامب اختار ألا يغيره». ويرى فريد أن السبيل لردع بوتين يكمن في العمل على «قائمة الكريملن» تلك، مضيفاً: «علينا أن نقطع تدفق المال الروسي إلى لندن وميامي ونيويورك وغيرها في الغرب، ونجعل بوتين يدرك أننا قادرون على استهدافه». ولا شك في أن مزيداً من الأسلحة للأوكرانيين والسوريين الذين يقاتلون القوات الروسية سيكون مفيداً. غير أن الأولوية ينبغي أن تعطى لمواجهة تحالف بوتين العابر للأطلسي. -------------------- جاكسون ديل* *محلل سياسي أميركي ------------------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»