يوم الأحد الماضي اصطحبت عائلتي في رحلة حتى نرى سوريا عن قرب. كان ذلك في هضبة الجولان. وكان في مقدورنا أن نرى مدينة القنيطرة المدمرة. وعادة ما تكون الأراضي الحدودية لهذه المنطقة شديدة الخضرة في هذا الفصل وهي مغطاة بالأعشاب الخضراء وتكثر فيها الزهور. وكان من الصعب أن أقنع أولادي بأن حرباً جهنمية سبق أن حدثت هنا. إلا أنني كنت مصراً على أن يرو تلك المنطقة حتى يدركوا أن سوريا هي مكان وواقع وليست فكرة أو خيالاً، وأن الجراح العميقة التي يعاني منها شعبها قريبة جداً من هنا وليست شديدة البعد، وبأننا لن نتوقف عن التفكير بما يحدث فيها. وقبل بضعة أيام، تمكنت قوات الأسد من فرض سيطرتها على الغوطة الشرقية لمدينة دمشق بعد أن طردت سكانها. ولم يعد لاستراتيجية الانسحاب مقابل السلام أي معنى هذه الأيام. وهذه الحقيقة تنطبق على الأوضاع في العراق وأفغانستان وقطاع غزة. وهي النقطة التي غابت بوضوح عن الرئيس دونالد ترامب عندما تعهد الشهر الماضي بسحب قواته من سوريا، وهو القرار الذي شجع النظام السوري على استخدام الأسلحة الكيميائية مما دفع ترامب للتهديد بالانتقام. وكما نلاحظ الآن من مجريات الأمور، فإن احتمالات نشوب حرب واسعة النطاق وأكثر دموية في سوريا قد تزايدت خلال الأيام الأخيرة. وتحدثت تقارير عن دخول الدبابات وبطاريات المدفعية التابعة للنظام السوري إلى المنطقة المنزوعة السلاح القريبة من الحدود الإسرائيلية في انتهاك واضح لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. ولم تبذل إسرائيل أي مجهود لإنكار هجومها يوم الاثنين على مطار التيفور الذي تستخدمه القوات الإيرانية كقاعدة جوية في وسط سوريا. يحدث هذا في الوقت الذي تهدد فيه إسرائيل باتخاذ إجراءات أكثر قوة لإبعاد القوات الإيرانية عن حدودها مع سوريا. وهدد الإيرانيون بدورهم بالانتقام لهذا الهجوم، ويبدو أنهم متأكدون من قدرتهم على ذلك من خلال صنيعتهم «حزب الله» والميليشيات المرتزقة الطائفية التي تعمل تحت إمرتهم. وأصبح مؤشر التوتر السياسي والعسكري بين إسرائيل وروسيا في أعلى مستوياته منذ نهاية الحرب الباردة. وكان مما زاد من حدة التوتر بينهما أن إسرائيل رفضت إطلاع روسيا على هجوم الاثنين على مطار التيفور. فأين الولايات المتحدة من كل ما يحدث؟ كما قال الصحفي «مايكل دوران» في افتتاحية ذكية نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً، يبدو أن ترامب تجاوز قناعاته الشخصية عندما وعد بسحب القوات الأميركية من سوريا وبما سينهي تماماً ما بقي لنا من نفوذ فيها وحتى في تركيا، ثم ما لبث أن أعلن عن عزمه على توجيه ضربة صاروخية ضد نظام الأسد خلال ساعات أو أيام. إلا أن الحقيقة المتعلقة بالسياسة الراهنة للولايات المتحدة في سوريا سيئة إلى أبعد الحدود. وأنا أقول للمبتدئين بمتابعة الأمور إن الولايات المتحدة تفتقر لأي سياسة للتعامل مع الأوضاع المضطربة هناك. ولهذا السبب أطلق الرئيس ترامب والقائد العام للقوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال «جوزيف فوتيل» سلسلة من البيانات المتناقضة فيما يتعلق بما تعتزم الولايات المتحدة عمله في سوريا. وكنا منذ فترة طويلة قد أعلنا عن عزمنا على مساعدة المعارضة السورية المعتدلة في حربها ضد نظام الأسد، وكان الافتقار التام لسياسة واضحة قد بدل مسار الأمور لعكس الجهة التي أرادها ترامب والتي كان من المفترض أن تمنع إيران من تحقيق طموحاتها التوسعية وإجبارها على التفاوض وتوقيع الاتفاقية النووية. ولا شك أن ضربة صاروخية محدودة ضد قوات الأسد، مثل التي وقعت أول أمس، يمكنها أن تضعف قدراته العسكرية ولكنها لن تغير شيئا من الواقع السياسي القائم الآن في سوريا، مثلما كانت حال الضربة الصاروخية للعام الماضي والتي لم تغير من الأمور شيئاً. فما هو العمل المفيد في هذه الحالة؟ يتعيّن على الولايات المتحدة أن تستهدف بشار الأسد وأهم مساعديه بشكل مباشر وبضربات صاعقة مثلما فعلت في العراق عام 2003 وعند اغتيال أسامة بن لادن عام 2011. ولم تكن كل التطورات التي حدثت في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية لتغير من نظرتي تلك للأمور. وإذا كنا جادّين في دفاعنا عن القوانين الدولية التي تمنع استخدام الأسلحة الكيميائية، فإن من الضروري أن تكون عقوبة انتهاك تلك القوانين قاسية جداً. وإذا كنا جادّين أيضاً بتحدي إيران، فإن سوريا هي ميدان المعركة المفضل. ويمكن للجهود الأميركية التي تهدف إلى تدمير الأصول العسكرية الإيرانية في سوريا أن تشكل رسالة تفيد بأننا لم نتقبل رؤية إيران وهي تستعمر سوريا وتهدد جيرانها. بريت ستيفنس: كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»