أحد المواضيع المهمة، ضمن الصراع الاستراتيجي الطويل بين الولايات المتحدة والصين، هو ما إن كان الحزب «الشيوعي» الصيني سيستطيع إرغام الأميركيين على فعل ما يقوله، وخاصة الشركات الأميركية. فاليوم، تهدد الحكومة الصينية بفرض نسخة من نظامها «مجموع الائتمان الاجتماعي» على شركات الطيران الدولية، مع عقوبات شديدة إذا لم تستجب لمطالب بكين السياسية. ولكن إدارة ترامب قررت أن تقول للصين إن هذا الأسلوب لن يجدي نفعاً. في 25 أبريل، بعثت الحكومة الصينية إلى العشرات من شركات الطيران الدولية تهديداً كتابياً يلوح بعقوبات شديدة إذا لم تغيّر محتوى مواقعها الإلكترونية على نحو يعتبر أن تايوان جزء من الصين، من بين أمور أخرى. وقد حصلتُ على نسخة من الرسالة. ومن المنتظر أن تُصدر المتحدثة باسم البيت البيض سارة هاكابي ساندرز بياناً صحفياً يصف تهديدات الحكومة الصينية بأنها «تصحيح سياسي» زاغ عن سكته. رسالة «إدارة الطيران المدني» الصينية تقول إن الحكومة الصينية طلبت من كل شركات الطيران، في 27 فبراير، التحقق من محتوى مواقعها الإلكترونية وإزالة أي إشارات إلى تايوان وهونج كونج وماكاو «تصفها خطأ على أنها بلدان أو أي شيء يتعارض مع القانون الصيني». نسخة الرسالة التي حصلتُ عليها كانت موجهة إلى شركة «يونايتد إيرلاينز» وتقول إن الحكومة الصينية وجدت أنه «ما زالت ثمة خروقات للقوانين الصينية وتناقضات مع سياسة (صين واحدة) التي تتبعها حكومتكم». وطلبت الحكومة الصينية من «يونايتد إيرلاينز» تغيير موقعها الإلكتروني حتى «تسمى تايوان تايوان الصينية» أو«تايوان: إقليم/ منطقة من الصين». وتقول الرسالة إن تايوان يجب أن تضاف إلى أي خريطة للصين على موقعها الإلكتروني، وإن «يونايتد إيرلاينز» يجب أن تستخدم اللون نفسه على الموقع الإلكتروني للإشارة إلى صين البر الرئيسي وتايوان وهونج كونج وماكاو. فتايوان لا يمكن أن يشار إليها على أنها بلد إلى جانب الصين. والوجهات التايوانية لا يجب أن تصنف على أنها تقع في جنوب شرق آسيا، وإنما يجب أن توضع على الموقع الإلكتروني ضمن الفئة نفسها على غرار الصين. وإذا لم تستجب تايوان قبل 25 مايو، تقول الرسالة، فإن الحكومة الصينية ستلجأ إلى «تدابير قطاع الطيران المدني» و«تحتفظ بسجل لعدم نزاهة شركتك وتتخذ تدابير عقابية ضد شركتك». كما ستقوم إدارة الطيران المدني بـ«إحالة انتهاك شركتكم للقوانين الصينية إلى المكتب الوطني للمعلومات السيبرانية ووكالات أخرى لإنفاذ القانون من أجل اتخاذ عقوبات إدارية طبقاً للقانون». وتقول سامنتا هوفمان، زميل «معهد ميركاتور لدراسات الصين» في برلين: «إن قانون الصين الداخلي، في ما يتعلق بائتمان الطيران المدني والأمن السيبراني، يسمح للصين بتقديم شيء مثل «الائتمان الاجتماعي»، خارج حدودها»، مضيفة «إنه يُبرز لماذا يجب وضع أي تأويل لنظام الائتمان الاجتماعي ضمن سياق تعريفات الصين لأمن الدولة. فأمن الدولة يتعلق بحماية الحزب الشيوعي الصيني فوق كل شيء». غير أن الرسالة الصينية تحرّف سياسة الحكومة الأميركية عبر قولها «سياسة الصين الواحدة التي تتبعها حكومتكم». ذلك أن الولايات المتحدة ليست لديها سياسة صين واحدة. صحيح أن واشنطن تعترف بموقف بكين من أن ثمة صينا واحدة تشمل تايوان، والولايات المتحدة لا تتبنى أي موقف بخصوص هذه المسألة. ولكن الحكومة الأميركية لن توافق على أن تكون تايوان جزءاً من جمهورية الصين الشعبية، ويفترض أن تنهج الشركات الأميركية النهج نفسه أيضاً. بيان البيت الأبيض يدافع عن المبدأ المتمثل في أن الشركات الخاصة الأميركية يجب أن تكون لديها الحرية في تعاملها مع العملاء، وألا تتعرض لأي ضغوط من أجل تبني مواقف سياسية لقوة أجنبية. وقال بيان البيت الأبيض: «إن الولايات المتحدة تعارض بشدة محاولات الصين إجبار شركات خاصة على استخدام لغة معينة ذات طبيعة سياسية في محتواها المتاح للجمهور»، مضيفاً: «وندعو الصين للكف عن تهديد وإكراه الناقلات الدوية الأميركية والمواطنين الأميركيين». وهذا مثال إضافي على تحول إدارة ترامب المستمر نحو موقف أكثر قوة، كما يقول المحلل الاستخباراتي الأميركي السابق المتخصص في الصين بيتر ماتيس. غير أن الشركات الأميركية لم تقف بعد في وجه الضغوط والتدخلات الصينية. ذلك أن «يونايتد» رفضت التعليق على هذا الموضوع، هذا في حين أذعنت شركتا «دلتا إير لاينز» و«بريتيش إيرويز» جزئياً للمطالب الصينية. ويقول ماتيس: «إن الخطر ليس هو الضغط على تايوان بقدر ما هو الدليل الواضح على أن نظام التدبير الاجتماعي الصيني سيُستخدم لفرض شروط على الشركات والأشخاص خارج الصين من أجل الاصطفاف وراء مواقف الحزب»، مضيفاً: «إن كلفة التعامل التجاري (مع الصين) قد ارتفعت». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»