كلمة السر وفاتحة النجاح التي يعتمد عليها العقل الاستراتيجي الإماراتي تتمثل في استشراف المستقبل، من خلال القدرة على النفاذ إلى جوهر التحديات القادمة، واستخدام المعطيات الممكنة لتحقيق تموضع ملائم في خريطة الاقتصاد العالمي. كان الاقتصاد وسيظل بوابتنا لولوج المستقبل، وبخاصة بعد أن استنفد العالم قواه في صراعات حرمت الشعوب من استثمار الموارد المتاحة لتحقيق تنمية مستدامة. والاستدامة تندرج ضمن التفكير الاستراتيجي الإماراتي في كافة الجوانب. ولتحقيق النقلة الاقتصادية المرجوة، كان لابد من تمتين أسس التعاون مع القوى الفاعلة في صناعة التحولات الاقتصادية المقبلة، وتحديداً القوى المتخففة من ضغوط القضايا السياسية، وفي مقدمتها الصين التي تضع الاقتصاد في واجهة اهتماماتها، مما يجعل الشراكة الإماراتية معها تمثل مكسباً للطرفين. وتأتي علاقة الإمارات الاستراتيجية مع الصين ضمن السعي لتنويع الشراكات الدولية، لجني أفكار استثمارية ملهمة تتوازى مع طبيعة التنوع واختلاف الاهتمامات والأولويات لدى الشركاء. من هنا نتذكر وقائع ومقررات ونتائج سلسلة من الخلوات والمؤتمرات الحكومية الإماراتية، انعقدت بانتظام خلال الأعوام الماضية. ونستنتج من تلك الفعاليات الحيوية أن الإمارات لم تتوقف عن التخطيط للخروج برؤى جديدة ومبتكرة للمستقبل. وفي هذا السياق يمكن النظر إلى العلاقات الإماراتية الصينية من هذه الزاوية الاستراتيجية، التي تكشف الأفق العالي لصانع القرار الإماراتي. نستدل كذلك على الوعي بأهمية التخطيط الاقتصادي المبكر واستشراف آفاق الاستثمار العالمي، بالأجندة الرسمية لقيادة الإمارات، والتي ظلت طوال الفترات الماضية تحفل بجهود ولقاءات وزيارات مدروسة، نتج عنها توقيع اتفاقات شراكة عالية المستوى، وبالذات مع الجانب الصيني. كل تلك الجهود تصب في مصلحة الشعب الإماراتي، ضمن خطط للتعاطي مع المرحلة المقبلة من بوابة الاقتصاد، انطلاقاً من تشخيص دقيق يرى أن التحديات المستقبلية أصبحت واضحة المعالم في ظل الأزمات العالمية التي تهدد الاستقرار الاقتصادي للشعوب، ما يجعل السباق على الفوز بضمانات لتأمين المستقبل مطلوباً بإلحاح. وما تقوم به قيادة الإمارات على مدى السنوات الماضية يهدف إلى صياغة علاقات متينة ومثمرة مع القوى الاقتصادية الكبرى، وفي مقدمتها الصين. وما تحقق من تفاهمات إماراتية صينية يكسب العلاقات بين البلدين أبعاداً جديدة تعزز التعاون القائم وتفتح أبواباً لمجالات استثمار وشراكة مستقبلية طويلة الأجل وكثيرة الفوائد. ويأتي ذلك فيما تنشغل قوى عالمية كبرى بخلافات سياسية وحروب تجارية، تؤثر على التعاون الاقتصادي وعلى القواعد المألوفة للتجارة العالمية. ويتزامن تضارب المصالح الاقتصادية في الغرب مع انسداد الأفق أمام إيجاد حلول عادلة للقضايا الدولية العالقة. وبتداخل السياسة مع الاقتصاد وتصادم المصالح وافتقاد المجتمع الدولي للمصداقية في إنهاء النزاعات، يتعين البحث عن مخارج وحلول تضمن استمرار التنمية. وهذا ما تقوم به دولة الإمارات التي لم تمنعها الإشكاليات الإقليمية والدولية عن مواصلة العمل الجاد والمبتكر لإسعاد شعبها والاستمرار في بناء نهضتها. وبالعودة إلى الشراكة المتنامية بين الإمارات والصين، تكثفت الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، وجرى تفعيل الاتفاقيات المشتركة للانتقال بها إلى مرحلة التنفيذ وقطف ثمار التعاون. ولأن الصين تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا تغيب عنها البيئة الممتازة للاقتصاد والاستثمار في الإمارات، البيئة التي أصبحت وجهةً مفضلةً لرأس المال الصيني خلال السنوات المنصرمة. ومما يستدعي السعي لبناء وتمتين الشراكة الاقتصادية مع الصين، أن المبادرة الصينية حول طريق الحرير الجديد في منطقة الشرق الأوسط، تجعل الشراكة مع الإمارات على رأس الأجندة الصينية، نظراً للثقل الاقتصادي للدولة في محيطها، ونظراً لموقعها في الخرائط العالمية للطاقة والاستدامة والاستثمار. وبعيداً عن الطاقة وعائداتها، وتنويهاً بمصادر الاقتصاد الإماراتي المتنوعة، أشارت إحصاءات رسمية إلى أن تجارة الإمارات غير النفطية مع الصين بلغت 196 مليار درهم نهاية 2017، وبناءً على المبادرة الصينية لبعث طريق الحرير، تنبأت مؤسسات بحثية بأن تكون قطاعات الأعمال التجارية في الإمارات ضمن المستفيدين الرئيسيين من هذا المشروع. وبإطلاله سريعة على ما تحقق في مجالات التعاون الإماراتي الصيني، تمثل الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين تدشيناً لمرحلة متقدمة من التعاون الذي نشهد منذ مدة ترجمته في مجالات متعددة.