هناك طقوس معينة ثابتة في السياسة الخارجية الأميركية يتم اتباعها، سواء كان لها حظ من النجاح أم لا. فكل إدارة منذ فرانكلين روزفيلت حاولت تحسين العلاقات مع موسكو. وكل إدارة منذ هاري ترومان حاولت حل النزاع العربي- الإسرائيلي. وكل إدارة منذ جيمي كارتر حاولت إقناع رجال الدين الحاكمين في إيران بالتصرف بشكل أفضل. وكل إدارة منذ بيل كلينتون حاولت التفاوض مع «طالبان».
وذكر أحمد مجيديار، من معهد «أميركان إنتربرايز»، أنه «بين عامي 1995 و2000 أظهرت الوثائق التي رُفعت السرية عنها أن دبلوماسيين أميركيين عقدوا أكثر من 30 اجتماعاً مع طالبان لإقناع الجماعة أن تغلق معسكرات تدريب الإرهابيين في الأراضي الخاضعة لسيطرتها. وفي عام 1998، على سبيل المثال، أجرت إدارة كلينتون محادثات مباشرة مع طالبان وحصلت على تعهد بأن الحركة لن تسمح للإرهابيين باستخدام أفغانستان كقاعدة للإرهاب. لكن بعد ذلك ببضعة شهور نفذت القاعدة تفجيرات قاتلة في سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا».
ولم يكن الرئيس جورج بوش الابن مستعداً للتفاوض بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لكن ما إن تورطت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان، حتى بدأت المحادثات على المستوى المحلي لإقناع مقاتلي «طالبان» بالتصالح مع الحكومة المدعومة من الغرب. ولم تثمر هذه المحاولات إلا القليل من الثمرات وتدهور الوضع الأمني. وحين جاء باراك أوباما للسلطة عام 2009، زاد عدد القوات الأميركية ثلاثة أمثال، مؤكداً أن «إنهاء هذا الصراع وتحقيق انسحاب كامل للقوات الأجنبية من أفغانستان لن يتم إلا عن طريق تسوية سياسية دائمة بين الحكومة الأفغانية وطالبان».
وجعل حامد كرزاي، الرئيس الأفغاني في ذاك الوقت، من المفاوضات مع «إخوانه من طالبان» أولوية وأنشأ مجلساً أعلى للسلام لهذا الغرض. وكان برهان الدين رباني أول رئيس لمجلس السلام. وكان اغتياله على يد «طالبان» في تفجير انتحاري عام 2011 نذيراً بمصاعب أخرى. لكن الأمل لم ينقطع. وشجعت إدارة أوباما «طالبان» على فتح مكتب سياسي عام 2013 لتيسير محادثات لكن لم تحقق أي تقدم. وأعلنت إدارة ترامب أنها مستعدة لعقد محادثات مباشرة مع «طالبان» دون الحكومة الأفغانية التي تعتبرها الحركة «مطية الغرب». لكن ما من سبب يدفعني للاعتقاد بأن جهود التواصل تلك ستحقق أي نجاح أكبر مما حدث في الماضي. فقد استطاعت الحكومة الكولومبية التفاوض لإنهاء حرب أهلية دارات رحاها في البلاد 50 عاماً لأنها ألحقت الهزيمة بمتمردي القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك). لكن «طالبان» بما تتمتع به من دعم خارجي أبعد ما تكون عن الهزيمة. و«طالبان» تكسب ولا تخسر. وإذا كان المرء في مكان «طالبان»، فلماذا يتفاوض الآن؟
ومنذ عام 2015، أشارت تقارير مفتش البنتاجون العام المختص بإعادة إعمار أفغانستان أن سيطرة الحكومة أو نفوذها على أقاليم البلاد انخفض بنسبة 16%. ويُقال إن الحكومة «تسيطر أو تؤثر على» 65% من السكان، بينما هناك 23% يجري النزاع عليهم وهناك 12% تحت سيطرة طالبان. وبلا شك، تقلل هذه الأرقام بشكل كبير درجة سيطرة المتمردين في الريف. وقوات الأمن الأفغانية تتكبد عدداً كبيراً من الضحايا لدرجة دفعتها إلى عدم الإعلان عن عدد الضحايا.
والشيء الوحيد الذي يمنع سقوط الحكومة هو تواجد 14 ألف جندي أميركي هناك. لكن عزيمة الولايات المتحدة على البقاء في أفغانستان بعد ما يقرب من 17 عاماً تضعف. والرئيس دونالد ترامب وافق متردداً على زيادة صغيرة في عدد الجنود الأميركيين قبل عام بضغط من مستشاره للأمن القومي في ذاك الوقت إتش. آر. مكماستر. وترك مكماستر المنصب والوضع الأمني لم يتحسن.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»