«إننا نجتمع اليوم من أجل تأبين وفاة العظمة الأميركية». هكذا قالت «ميغان ماكين» ابنة «جون ماكين». وعلى الرغم من أنها أعطت العبارة معنى مختلفاً بعد بضع دقائق - «أميركا ماكين ليست في حاجة لأن تصبح عظيمة مرة أخرى لأن أميركا كانت دائماً عظيمة» – فقد كان ثمة إحساس واضح بشأن المقصود بذلك في كلماتها، وفي كلمات آخرين كثيرين تعاقبوا على إلقاء كلمات تأبين في حق ماكين على مدى الأربعة أيام الماضية. وإنه لأمر صحيح: ذلك أن نسخة واحدة من «العظمة الأميركية» باتت اليوم من الماضي. البعض رفضوا هذه الاستنتاج القاتم - فالكاتب «إيليوت كوهين» كتب بأنه يشعر بجهود تبعث على التفاؤل لإصلاح الأخطاء والبناء من جديد بعد مغادرة الكاتدرائية الوطنية يوم السبت. ولكن إذا كنت تتابع الجنازة، مثلي، على شاشة صغيرة في ركن قصي من أوروبا، فإنه من الصعب الشعور بالتفاؤل. فمن بعيد، بدا المشهد كجنازة، ليس لماكين فحسب، ولكن أيضاً لرؤية معينة من أميركا، رؤية لطالما أراد تصديقَها أشخاصٌ كثيرون من حول العالم. وربما كان الأمر كذلك بالفعل.
الزمن وتغير الأجيال يفسران، جزئياً، لماذا لا يوجد أي شخص في مجلس الشيوخ مؤهل لخلافة «ماكين»، لا أحد تجتمع فيه القيم نفسها: تجربة عسكرية حقيقية، ودراية بتحالفات أميركا، وإيمان قوي بالديمقراطية، وكره شديد للدكتاتوريات، وفهم جيد للتاريخ، وشعور وطني يعارض العنصرية والفساد السياسي. ولا شك أن ثمة بعض السيناتورات الرائعين، ومنهم كثيرون لديهم إلمام جيد بالسياسة الخارجية أو بشؤون الجيش. كما أن هناك الكثير من الأشخاص الصالحين في الحياة العامة، بشكل عام. وربما يُنتج لنا جيل قدماء المحاربين في العراق وأفغانستان بطلَ حرب- سياسياً آخر. غير أنه بالطبع لا أحد منهم ستكون لديه ذاكرة تمتد إلى الحرب الباردة وحركة الحقوق المدنية مثل «ماكين»، ولا أحد منهم تقريباً سيكون لديه إرث عائلي من الخدمة العسكرية يعود إلى الحرب العالمية الأولى.
والواقع أن مسار «ماكين» نفسه يفسِّر جزئياً أسباب وجود نظراء قليلين جداً له، على الأقل داخل الحزب الذي كان ينتمي إليه. فمثلما يُبين جيداً ترشحه للانتخابات الرئاسية، فقد شرع «الجمهوريون» في إقصاء ونبذ الأشخاص مثله قبل عقدين تقريباً. ولنتذكر كيف خسر «ماكين» أمام جورج دبليو. بوش في الانتخابات التمهيدية عام 2000، فقد نشر مناوئو ماكين إشاعة عنصرية حول ابن أسود غير شرعي له. وبعد ذلك، تعثّر ماكين نفسه بسبب الحب غير المتوقع الذي ما زال يشعر به سكان كارولاينا الجنوبية البيض تجاه علم معركة «الكونفدرالية» (الولايات الجنوبية التي كانت تريد الانشقاق عن الاتحاد). ولنتذكر كيف خسر في انتخابات 2008: حين اختار زميلة له في التذكرة الرئاسية عبّرت عن تعصب حزبي شرس، وجهل بات يميز الحزب بأكمله اليوم. فخسر الكثير من الأصوات، بما في ذلك صوتي للأسف.
في كلتا المرتين، حاول «ماكين» التغلب على التشدد والعنصرية البيضاء داخل حزبه. ولكن في كلتا المرتين، وجد نفسه مسحوباً إلى الأسفل. وفي السنوات اللاحقة، سُحقت الوطنية السخية والغريزية التي كان يفضلها ماكين، وحلت محلها الانعزاليةُ والاستقطاب اللذين أصابا النظامَ السياسي بأكمله.
لا نقصد بهذا القول إن رؤية جديدة للعظمة الأميركية الحقيقية لا يمكن أن تظهر مكان الرؤية القديمة من أجل إلهام العالم. ولكن ربما ستضطر لاتخاذ شكل جديد. والواقع أنني لست واثقة ما إن كانت خصال «ماكين» العسكرية هي الصفات الأهم بالنسبة لهذا المشروع الجديد. ذلك أن الحروب التي سنخوضها خلال القرن الحادي والعشرين ستشمل أسلحةً مختلفة جداً عن تلك التي عرفتها حروب القرن العشرين. فقد نحتاج، في فجر هذا العهد الجديد، إلى أشخاص لديهم دراية في محاربة الفساد وأنظمة الحكم السارقة، أو الأشخاص الذين يستطيعون فهم الأمن الإلكتروني واستخدام الإنترنت.
إن أميركا ما زالت تستطيع أن تكون مصدر إلهام للعالم، وأميركا ما زالت قادرة على الزعامة. ولكن الأشخاص الذين يستطيعون زعامة هذا النوع من أميركا لم يتقدموا بعد إلى قرص الضوء. وإلى أن يفعلوا، فإن العالم سيرثي وفاة العظمة الأميركية.
*كاتبة ومحللة سياسية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»