قبل 17 سنة، قتل أتباع أسامة بن لادن 2977 شخصاً باستخدام طائرات مدنية مختطَفة كأسلحة، في غارة فظيعة على الولايات المتحدة. هجوم «القاعدة» صدم البلاد وأغضبها، لكنه جعل الأميركيين يتوحدون ويلتفون حول بعضهم بعضاً مثلما لم يفعلوا منذ هجوم برل هاربر في 1941، حيث رفع 82? من الأميركيين العلم خلال الأيام القليلة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001، وفق استطلاع للرأي أجراه مركز «غالوب». كما تجمع نحو 150 من أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين أمام مبنى «الكابيتول» وأنشدوا «ليبارك الله أميركا». وبعيد ذلك، صوّتت أغلبية كبيرة جداً من كلا الحزبين على منح الرئيس بوش الابن سلطة كاملة لخوض «الحرب على الإرهاب».
وقتئذ، اعتقد كثيرون أن تأثير 11 سبتمبر المعبّئ للجسم السياسي الأميركي سيستمر، وأنه سيساعد على إنهاء الشروخ الحزبية المقلقة التي فُتحت خلال أزمة بيل كلينتون في 1998 وانتخابات 2000 الرئاسية المتنازع عليها. وكان ذلك أملا معقولا، على اعتبار أنه على مر التاريخ أرغمت التهديداتُ الخارجية الشعبَ الأميركي على وضع خلافاته جانباً في سبيل الدفاع عن الوطن.
وبالطبع، لم تنحُ الأمور ذاك المنحى؛ فقد ولّى زمن الغناء وحمل الأعلام الوطنية والتعاون بين الحزبين.. وحلّ اليوم مناخٌ سياسي منقسم مليء بالكراهية، كثيراً ما وُصف على أنه «الحرب الأهلية الباردة»! وفي يوليو الماضي، وجد استطلاع أجراه مركز «غالوب» أن 47? فقط من الجمهور ما زالوا «فخورين للغاية» بأنهم أميركيون. فما الذي حدث؟
حدثت أشياء كثيرة، منها استخدام الرئيس الحالي للخلافات السياسية والثقافية والعرقية كسلاح.. رغم أنها خلافات كانت سابقة زمنياً لصعود ترامب، بل كان انتخابه أحد أعراض غياب التوافق الوطني، وليس سبباً مستقلاً له.
وبإلقاء نظرة إلى الوراء، نجد أنه ما كان ينبغي لنا أن نتوقع من الحرب على الإرهاب أن توحّد البلاد، على غرار ما فعلت الحربان العالميتان، وإلى حد ما الحرب الباردة.. فتلك الحروب جمعت بين الولايات المتحدة ودول كان من الممكن تعريف هزيمتها أو احتوائها -كما في حالة الاتحاد السوفييتي – بشكل ذكي واستشرافها بشكل واقعي. وكان بالإمكان رسم خطوط واضحة بين الصديق والعدو.
الحرب التي بدأت في 11 سبتمبر وتستمر اليوم، بأشكال مختلفة في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، وحتى في أجزاء من أفريقيا.. كانت ولا تزال نزاعاً غامضاً وممتداً ضد قوى غير نظامية. ويمكن تسمّيتها «محاربة التمرد على صعيد عالمي». وبطبيعتها، تفرض مثل هذه الحرب على أي حكومة ديمقراطية تضطر لخوضها أسئلةً سياسية صعبة ومثيرة للانقسام.
غير أن الانقسامات بشأن حرب غير نظامية ممتدة كان مكتوباً عليها أن تحتدم عاجلاً أو آجلاً، مثلما حدث خلال حرب فيتنام. فمثل هذا النزاع يخلق، بطبيعته، اختيارات سياسية صعبة، والديمقراطية، بطبيعتها، تعالج مثل هذه السجالات من خلال الصراع والتدافع بين الأحزاب.
والمؤكد أنه ليس من قبيل الصدف أن الرئيس الحالي وسلفه، ورغم كل الاختلافات الجوهرية بينهما، خاض كلاهما حملةً انتقدا فيها الطريقة التي تم بها خوض الحرب على الإرهاب. وكانا يقفان على طرفي نقيض: فأوباما ندّد بسجن غوانتنامو، وترامب وعد بما هو أشد من «الإيهام بالغرق»، وبحظر دخول المسلمين للبلاد.
وباختصار، فإن الحرب على الإرهاب تتيح للسياسيين، وللجمهور، فرصاً للتصارع حول مواضيع واختيارات تكتيكية مشحونة عاطفياً وصعبة الحل. والحرب التي لا نهاية لها تتيح لهم ما لا نهاية له من الفرص.

*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»