في عام 1980 كنت صغيرة، ولكن أحلامي كانت أكبر مني بكثير، فهي من أخذني للولايات المتحدة الأميركية حتى عندما كان عندي دور ثانٍ في الجغرافيا، وكان عليّ النجاح تلك السنة لاجتاز الثانوية العامة، وأتأهل للالتحاق بالجامعات الأميركية. ففي بداية الصيف التحقت ببرنامج للغة في ولاية واشنطن ثم عدت لأجرى الامتحان قبيل العام الدراسي المقبل، ولم أستغرب أن نجحت في الاختبار فقد أصررت على ذلك حتى صرت شغوفة برسم خارطة العالم وتسمية عواصم البلدان وطقسها ومنتجاتها. نعم، نجحت فأحرزت علامة بالكاد تدفرني من وضع المتعلق إلى وضع المتشلبح.. فكانت درجتي على الحافة ونجحت. فطلبت من أخي محمد أن يرافقني إلى وزارة التربية والتعليم لطلب بعثة دراسية، فلبس عقاله الذي لم يكن متمرساً في لبسه لصغر سنه آنذاك، وانطلقنا إلى مكتب البعثات. في أول مكتب سردت القصة كاملة، وقلت للسيد سعيد: لقد نجحت في الثانوية ولديّ قبول في أميركا أرجوكم وافقوا وخلوني أسير! فقال لي، وهو يرتب أوراقاً أمامه: شوفي وكيل الوزارة.. الشور شوره وعنده الخيط والمخيط! وتراوحت خطانا في ممرات الوزارة ثم جلسنا بقرب مكتب الوكيل، وقد كُتب على واجهة مكتب مدير مكتبه: «سعادة الوكيل في اجتماع»، فقلت في خاطري مثلنا الشعبي: ناوي أصلي.. ناوي اترياك. وهذا ما فعلناه حتى قاربت الساعة الواحدة والنصف أي نهاية الدوام آنذاك، فإذا بالباب ينفرج فقلت لأحد الرجلين، وهما عند مفترق الباب قبل السلام: شوف الأوراق كلها كاملة الباقي بس توقيعك. فضحك ونظر للشخص الذي بقربه فما كان من الأخير إلا أن أخذ الورق من يدي، وسار يقرأ فيه ثم سألني: أنتِ أخت عبدالله؟ فقلت له: لا، عبدالله أخي! فضحك، وقال: وين قلمك؟ فأعطيته القلم الذي حاول رسم اسمه به بلا جدوى فطلب من صاحب المكتب قلماً.. فأعطاه قلمه الباركر، وكان من الذهب فخط به اسمه، وشخط «أرجو إجراء اللازم فوراً»، ومد يده لي بذلك القلم، وقال: خلي عندك هذا القلم وتذكري به هذه اللحظة؛ لم يكن بوخالد الرجل الذي كنت أنتظره، ولكنه كان الرجل الذي ينتظرني وبيده قلم القدر، وحملت الورقة ونزلت سلالم الوزارة أضحك وأتقافز ثم تذكرت أني جئت مع أخي فلزمت الصمت حتى وصلنا السيارة فأخذته إلى راعي العصير ومرطبات النجاح فاشتريت له سندويتش للتعبير عن الجميل. ترى ما الذي رآه ليقتنع بأني سأكون طالبة نجيبة؟ كم وددت سؤاله وإجراء حوار يوثق تاريخ الإمارات، ولكن قدر الله كان أسبق، فرحل عنا بوخالد بعد رحلة حافلة امتطى فارس الثقافة والتعليم والعدل جواده الذي سار به، حيث تغرب الشمس ليترك في قلوبنا همسات صوته، التي نستعيدها لتزيدنا ذكرياتها سعادة رغم تراكم غبار السنين. عبدالله عمران تريم عملاق من عمالقة دولتنا الغالية، ومن شبابها المؤسسين وفارس لا يشق لكلمته غبار، نودعك الله يا بوخالد وشكراً على القلم، هو وسام أتشرف به إلى أن يحتضن تراب الإمارات جسدي. bilkhair@hotmail.com