معاناة الناس مع شركات التأمين بكل أنواعها، تبدأ لكنها لا تنتهي مطلقاً، فالاستقبال الذي كان بفرش سجادة حريرية ولو استطاعوا أن يجعلوها حمراء تحت أقدام الناس الذين يريدون أن يدخلوا باب الشركة لأول مرة لفعلوا، هذا في اللقاء الأول، أما اللقاء الثاني والذي يصر فيه المؤَمن بعد وقوع الحادثة على التصليح والتعويض أو المطالبة بتسديد فواتير العلاج، فإن الشركة لو استطاعت أن تفرش حصيراً من شوك أو تلغّم كل الطرق المؤدية الى بابها لما توانت لحظة واحدة، لكيلا يدخل المراجعون وفي أياديهم فواتير تستحق الدفع، فالداخل الى هذه الشركات مطلوب والخارج منها مفقود · شركات التأمين على اختلاف أنواعها وعلى اختلاف مستويات التأمين وأنواعه يبدؤون بضحكة ولا أطيب منها، وينتهون عند المطالبة بتكشيرة ولا أقسى منها، عليهم سيماء المتذاكين المتلاعبين ولا أريد أن أقول المرابين وإن تحجبوا أو تستروا وإن فرقوا بين التأمين العادي والتأمين الإسلامي، فالموظف في مثل هذه الشركات والذي تدرج من كاتب طابع إلى أن أصبح في خدمة الزبائن والمؤَمنين، يفهم أحياناً أكثر من طبيب أمراض النساء والولادة، ولا يمانع في أن يبّت في تقارير الطبيب المناوب ويعرف أكثر منه في القضايا الطبية، خاصة التي يترتب عليها دفع أموال تعويضية للمعالجين، فيحرق مراحل التعليم الطبي كله، ويبّت فيما أمامه من تقارير طبية أو معالجات أو يمكن أن يقرر هذا الموظف الذي عمل مفتشاً عمالياً في ''هالزمانات'' إن كانت هذه الطفلة بحاجة الى عمل أشعة أم لا أو أن هذا الكسر بحاجة الى جبيرة عربية أو وضع جبس عليه أو يكتفي المكسور بالحجامة التي وصى عليها الرسول الكريم، لقد أصبح موظفو شركات التأمين العلاجية هم من يقررون أن هشاشة العظام ليست ضمن قوائم الدفع، لأنهم يعتقدون أن الإهمال كان منذ الصغر وقبل التأمين، فنقص الكالسيوم وعدم تناول كأسين من الحليب يومياً وعدم التعرض لأشعة الشمس، ونقص فيتامين ''د'' هي الأسباب، وبالتالي فإن المسؤول عنها الأهل أو الزوج فيما بعد، لا شركات التأمين التي أتى إليها المريض متأخراً''طاوي مسباحه، ويمشي على عكازين ويرتجّ''· شركات التأمين لديها المؤمن إن كان سائق سيارة أجره أو صاحب سيارة فخمة أو كان مريضاً أو به علّة، هو كاذب في نظرهم حتى تنتهي مشكلته، ويثبت صدقه، وأكثر شيء يجعل الشياطين تتنطط أمام أعينهم، حين يأتي تقرير طبي معتمد وموثق من قبل لجنة طبية يفيد بإجراء عملية جراحية، ساعتها تظلم الدنيا في عيني المدير، ويتدلى حنكه على صدره، وتسوّد الأمور المستقبلية والخطط الاستثمارية في عيون الموظفين قوم ''بو جل'' ومخلاة وارمة بجهاز الكمبيوتر وعقود التأمين، ويتكهرب محامي الشركة، ويظهر الدخان والضباب الرمادي من تحت شقوق أبواب المكاتب، وتنبعث عطبة من العمارة· ساعتها يقترحون آلاف الحلول على المؤَمن وعشرات من أبيات الشعر والحكمة، تنصحه بعدم إجراء العملية وأن الدكاترة يستنزفون أموال شركات التأمين المسكينة وأن آخر الدواء الكي، ثم يدخلون عليه من باب آخر، هو التخويف والآثار الجانبية، والبعض يحب أن يلفظها بالانجليزي''سايد ايفكت'' لعل هذا المريض يتراجع عن قرار هذه العملية المكلفة والتي يراها أساطين التأمين غير ضرورية في الوقت الحالي، وأنها لعب دكاترة ومستشفيات، وحرب عصابات بين مافيا المستشفيات الخاصة وشركات التأمين المؤمنة والمسلمة والخائفة ربها والمتبرعة للفقراء والأيتام وأبناء السبيل·· وغداً نكمل··