هل لاحظت اختفاء صديقك المفضل فجأة دون أي سبب؟ هل تحاول الاتصال به ولا يرد على اتصالاتك على الرغم من أنكما كنتما كالأخوين وأكثر؟ انتظر، لا تحكم عليه بالتجاهل والإهمال، ربما يكون صاحبك هذا مصاب بمرض «الاضطراب الوجداني ثنائي القطب». في هذا المرض النفسي المسكوت عنه والمنتشر على درجات قد توحي أحياناً بأنه مجرد تقلب عادي في المزاج، يشعر المريض في حالاته الحادة أنه ينسحب من ذاته وينفصل عن واقعه، ليفقد الاهتمام بكل شيء، وقد يقدم على إنهاء حياته، وفي الطرف الحادّ الآخر قد يصاب بفرح هوسي يقدم خلاله على أفعال غير لائقة اجتماعياً. في هذه المجموعة القصصية يذهب المؤلف إلى عوالم هذا المرض، مستكشفاً دهاليزه، متعمقاً في نفسيات المرضى، بناءً على بحث مستفيض قام به بين ملفات العيادات النفسية والمواقع الطبية واللقاءات الشخصية مع المرضى. «ليثيوم» هو العنوان الذي اختاره الكاتب السورى تميم هنيدي عنواناً لمجموعته القصصية الأولى التي تدور حول هذا المرض، وهو الدواء الأقدم والأشهر الذي يصفه أطباء الأمراض النفسية لمريض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب. لخصّ المؤلف فكرة الكتاب في خاتمته («ليثيوم» هي بطاقة تعريف بالمرض، بأسلوب قصصي بعيد عن التوعية الطبية التقليدية. هي قصص خرجت من مرارة الواقع، وحملت تفاصيل كثيرة من زوايا الذاكرة المظلمة للمرضى وذويهم. هي رحلة نخوضها معاً، وندخل من خلالها إلى عالم يعيش فيه الملايين، مقفلين فيه الباب على معاناتهم، مخافة أن تجلب العار والسمعة السيئة). الكتاب منعه الرقيب من التوزيع في المكتبات، بحجة مشهد الاغتصاب الذي تتعرض له إحدى الشخصيات، ومشهد آخر تعاني فيه الشخصية فورة جنسية على الرغم من أن المشاهد مكتوبة بوصف عام دون أي تفاصيل خادشة. الرقابة تحتاج رقابة، ليس كل ما يخدش حس الرقيب المرهف يجب منعه، هناك حقائق مؤذية، لكن لا بد من معرفتها والاطلاع عليها لمعرفة كيفية التعامل معها. وبحر العلم واسع وأمراض النفس متنوعة، السكوت عنها والخجل منها وإخفائها والتعتيم على من يتناولها بالكتابة إبداعاً لن ينفع أحد، سوى سمعة سيئة تكتسبها الرقابة التي تحجر على حرية الإبداع، وهذه ليست صفة تفخر بها أي جهة ترعى الإبداع والثقافة. يختتم المؤلف كتابه قائلاً «كلي أمل أن تكون «ليثيوم» محفزاً لنشر الوعي والتفهم حول هذا النوع من الأمراض، كي يتسنى لمن وجدوا أنفسهم أسرى له، أن يمارسوا حقوقهم كاملة دون إحراج، أو خجل، دون تمييز، أو محاربة». وربما حينما ينتشر الوعي بهكذا مرض، تستطيع أن تسامح صديقك، وتبحث عنه لمساعدته على تجاوز محنته، وربما أنقذته مما يوشك أن يقدم عليه.