أولاً·· وفي بداية حديثنا علينا أن نقرّ أننا لسنا ضد الخبراء المخبرين، المحترمين، المتفانين، ولسنا ضد المستشارين المبسوطين المسرورين المبجلين، ولسنا ضد الخبير الدوسري بالذات خصوصاً والوحدة في أوج تألقه، والزعيم في أقسى نحسه، نحن ضد الخبراء الأجانب الذين هم ''مش أجانب'' في الفهم والعطاء، ومع الخبراء الوطنيين الذين هم ''أجانب'' في الوعي والعمل، خلصنا فلسفة، نبدأ الموضوع: علينا أن نعّرف الخبير الأجنبي والوطني اللذين نعنيهما، الأول: وجهه أحمر، يضحك علينا برطنة وقبعة وشنطة جلدية وبايب غليون، الآخر أجلح، أملح، يمكن أن يتلثم بغترته، ويحسر عن يد كندورته في ميدان العمل، ثم يفردها إذا ما دخل في اجتماع، وأضطر للجلوس حول طاولة الاجتماعات· أما حكايتنا معهما فتبدأ: أننا لسنا ضد رواتبهم العالية والتي تفوق رواتب الوزراء، ولسنا ضد استشرافهم للمستقبل وقراءة الكف، ولسنا ضد خططهم المدروسة والملغومة وطويلة الأمد والأجل والعشرية، ولسنا ضد التمييز الوظيفي الوطني، فالامتيازات التي يتحصل عليها الخبير الأجنبي لا تقاس بامتيازات الخبير المتدرب الوطني، طبعاً لصالح الخبير الأجنبي، فلا تعتقدون أن ميزة العلاوة التي شاطر فيها الخبير الوطني ولا يحصل عليها الخبير الأجنبي تساوي الكثير، هي فقط 300 أو 600 درهم علاوة الأبناء، وهي'' قيس بامبرز لمطور الصغير ولا تيب كندورتين لعبود المتين'' لكن من زمان الأمر محسوما، وهو أن الـشغل ''الولايتي'' أخير من المشروب أقصد المشغول ''الوطني'' ولأنه من غير المعقول أن يأخذ ولد ''عيدة'' مثل ولد ''جانيت أو حتى باسكال'' هناك فرق والله يعطي الخياس بقياس، فـ''باسكال'' تعبت على ولدها، وربته تلك التربية، ودرسته في مدارس الأخوات الراهبات، وكان يلبس بيجاما حين ينام في الساعة السابعة إلا ثلثا بعد المغرب، و''زليغاته'' نظيفة دائماً، أما عيدة فتركت ولدها يغفّ من هالتراب ويتمردغ في المدر والطين، والشحف مقطع وجهه، وهي ''ما ملحقة'' ترضع عيال الحارة كلهم، كان أكل الوالدة ''جانيت'' كله تغذية حديثة ولا نقص في الحديد أو الكالسيوم، مع اعتناء دائم بالماغنيسيوم، أما أكل ''عيدة'' فكله عجين وعصيدة، وغفّ من اللي في هـ ''المقفلة'' وأشرب من ''ماي الغسول المحصص''· ومع ذلك·· لسنا ضد جانيت أو باسكال ولا أولادهما المتربين واللي شعرهم يلقّ من الكريم منذ نعومة أظافرهم، ولسنا ضد الشِعر البايت الذي يكتبونه في أوقات فراغهم والذي يشبه ''الزّرَارْ'' ولسنا ضد فللهم ''أم كراجين بـريموت كونترول'' وحمام سباحة ''يلبق في الليل ويستوي لونه أزرق'' فنحن راضون بالبيت الشعبي وبالقطيعة والزوّية التي فيه، لسنا ضد تعليم أبنائهم في المدارس الأجنبية التي تدرّس فيها معلمات صبايا أمهات قصة ''كاريه أو ديكراديه'' وتعليم أولادنا في مدارس الحكومة التي سقوفها منخاقة والتي مكيفها يكح من كثر ما حرّ صدره، والمعلم أبو محمود وجهه يدخن من صباح الله خير، ولسنا أيضاً ضد عقودهم التي تكتب باللغة الإنجليزية الرصينة، ونحن نعبئ طلباً عند مدير شؤون الموظفين، ونملأ ورقة نموذجية مكبوب عليها قهوة أو عليها بقايا كعب كأس شاي، كذلك لسنا ضد إعطائهم سيارات تشرب بنزينا مصفى خالياً من الرصاص، ونحن لو قدروا أعطونا سيارات تمشي بالجاز، ولسنا ضد نظرة التعالي التي يعاملوننا بها وشعورنا بالدونية ونحن نتعامل معهم، بس نحن ضد أن يكون هؤلاء الخبراء الأجانب غير عارفين ولا فاهمين ولا دارين بالدنيا وين مقبّلة·· بس فقط هذا الذي نحن ضده·· من نحن؟!