جمالية المكان دائماً ما تضفي على النفس روعة وابتهاجاً، وتحدث رغبة في المزيد من المعرفة، سواء كانت تراثية أو تاريخية، وتحدث علامات استفهام حول الرؤية الثقافية ودلالاتها، سواء كانت محورية أو معرفية؛ فأسطورة الأماكن أو الأمكنة لا تأتي من فراغ، ولا تتصدر موروث الحياة بشكل عبثي أو منتقى بصورة بصرية عابرة، أو مستندة على خيالات متطفلة ومتنفذة. إذن هي سياقات الحياة تحفر في التراث من أجل أن تستنبط منه الجمالية المتوازية مع الإبداع الإنساني الكامن في عناصر الحياة المختلفة، سواء كانت لها أهداف ثقافية بحتة أو غيرها. المهم أن الجمالية التاريخية تفرض مكونها أمام الملأ وأمام البشرية قاطبة، ما يجعل المكان يتحدث عن نفسه، ويشهد صفو تألقه. فقبل أن يكتمل الصرح الرياضي الثقافي استاد الشيخ هزاع بن زايد بشهور قليلة رأيت فيه تحفة معمارية تمتزج بالتراث، وكأن الاستاد يتغلف بلحاء جذوع النخيل، وكأن الصورة لا تختلف كثيراً عن روح المكان التي وهبها الله صورة مثلى تتنفس من خلالها رائحة النخيل العطرة؛ فالاستاد بلورة ثقافية تجسد الكثير من جمالية المكان وروعة الصرح الذي نقل المدينة فجأة من صورة إلى أخرى.. صورة مكتملة تدفق إليها كم هائل من البشر، ما جعلني أتوقف لدى هذا المعمار الساحر الذي أنبتته رمال العين ولم يخرج من جوفها عبثاً، بل سطر أكثر معاني الوفاء للتراث الذي يتخذ رؤية مستقبلية ومحورية في آن واحد. فما إن ترى هذا الاستاد حتى تستحضر كل معاني التاريخ الحديث والقديم كأن أودية العين تخرج من صخورها لتشق معالم المكان الذي وفد إليه الكبار قبل الصغار، وسجل ظاهرة حقيقية بأن ليس كل مبنى شُيِّد مستنسخاً من جذور الغرب، بل تراث الشرق أيضاً يمكن أن يتجلى في حقيقة الحراك الإنساني المتفاعل والقيمة التاريخية والتراثية، سواء في النادي أو الصرح أو المكونات كلها، والتي تتكئ على الطراز الثقافي وتحيط بكل مقوماته الحية والفاعلة من لغة وفواصل ناطقة إلى قيم معنوية وصور منسجمة مع الذات الإنسانية وحياتها وإبعادها الطبيعية المتموجة كالرمال والجبال؛ فالاستاد نطق بكل التفاصيل الجميلة وهذا المعنى الحقيقي من الصروح الجديدة أن لا تكون خاوية من الرسالة الثقافية أو من الانتماء الثقافي والتراثي. حضر استاد هزاع بن زايد، وحضرت معالم تراود المنتمين لمدينة عاشقة للحياة بكل معنى الصور التاريخية والتراثية، وما امتلأ الاستاد إلا تعبيراً عن أن المكان هو الذي يعبر ويتحدث عن آثاره ومؤثراته، والمكان هو الذي يستدعي الحياة بكل أطيافها ومكوناتها، فإذا كان شعار الاستاد: العين موطن كرة القدم بالإمارات، فالتاريخ أيضاً يقول إن أول صحيفة في الإمارات علقت على حائط مقهى قديم بمدينة العين، وللعين أول جامعة، وما متحف العين إلا ظاهرة استثنائية بالمنطقة. علينا أن نستنبط من جذور المدينة الكثير، ونقيم لها الامتداد الأجمل عبر مسارات النخيل وخيوط جميلة ترسم التاريخ على مدارات مختلفة، وما أكثرها، تلك الأمكنة التي تلمع بالحياة وبالمجد.