نتعامل مع السرير بشكل يومي، إلا إذا كنا من المغضوب عليهم أو مغلقة الأبواب في وجوههم نتيجة سوء الفهم المنقلب من الزوجات المصونات، فيكون بديل السرير إما كنبة في الصالة وإما كرسياً في مجلس الرجال، لكن لو توقفنا مليّاً أمام سؤال السرير الذي لا نعيره الاهتمام أو الالتفاتة أو التفكر، إلا إذا ما غشينا النوم أو أقعدنا تعب أو مرض، وهو الذي ابتكره الإنسان الأول، وسار معه عبر العصور والأزمان، منذ أن شعر بالتعب، وانهدّ به الجسد، متدرجاً في تطويره وتطويعه واختراع كل شيء يمكن أن يحسّن تلك النومة التي تستعصي أحياناً أو تفر من العين تلك الغفوة الشرود، وللإنسان كل الحق أن يجد ويتعب ليحصل على راحته وسكونه على هذا السرير الذي يقضي ثلث عمره نائماً عليه، لقد ظل الإنسان يتدرج في تطرية وتليين السرير كلما تمدن وتحضر، رغم أنه في الآونة الأخيرة ينصح أطباء العظام باستعمال السرير الخشبي القوي والطبي والذي تشعر وكأنك نائم على صلف حجري، الإنسان بدأه بسرير من أغصان شجر الغاب أو توسد الأرض الرطبة اللينة، مروراً بجلود الحيوانات المدبوغة وأصوافها المغزولة والقش والخوص والحشو والخشب والحديد، وانتهاء بريش الطيور والنعام والقطن والمخمل ثم السرير المائي والمنتجات الصناعية الحديثة، أما تزيينه فكان الحديد والخشب بأنواعه والنحاس والفضة والذهب والعاج والكريستال، لكن الثورة الحقيقية للسرير كانت عام 1850م حين اكتشف الزنبرك في صناعة المراتب التي بعضها أغلى من الأسرة بعشرات المرات، وهكذا كلما تعقدت الحياة وزادت ضغوطها المختلفة، كان على الإنسان أن يبحث عن ألين الأشياء وأكثرها نعومة لكي ينعم بنومة هادئة وراحة زائدة، والسرير تتنوع مسمياته في اللغات، وأحياناً يذّكر وأحياناً كثيرة يؤنث، لكنه يبدأ من المهد، وينتهي في اللحد، وعندنا نسمي «المنز والشاطوحة للأطفال والشبرية والكرفاية للكبار، والمنامة للنوم الجماعي»، ومهما اختلفت التسميات إلا أنه مصدر للراحة والسكون والهدوء، وأحياناً للمشاجرات الليلية التي لا تنتهي إلا على أذان الفجر، هو حامي الأسرار، وحاضن الأحلام المشروعة وغير المشروعة، فأسرّة الملوك والأمراء والقادة كانت على مر التاريخ الإنساني الطويل تضم الزوجات والمحظيات وما ملكت اليمين، مثلما تضم الدسائس والمكائد والمغامرات والأسرار الخفية، لذا ربما جاءت تسميته المخدع في العربية، وفي مقابلها المهجع، والسرير ربما من السر الذي لا يحب الإنسان أن يطلع عليه آخر سواه، ورغم أن السرير هو المكان المفضل للخلود وللراحة، إلا أن معظم القادة التاريخيين يكرهون أن تكون نومتهم الأخيرة عليه!