في محاضرة قيمة في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ألقى الأستاذ أنطوان أسكندر محاضرة عن المسيحيين العرب عبر تاريخ الحضارة العربية الإسلامية والتي تأتي ضمن مجموعة محاضرات تصب في محاولة إدراك التقارب مع الآخر وفهمه، ومعنى الاختلاف الحضاري الشرعي الذي لا يدعو إلى الإلغائية والإقصائية، ونكران حق الآخر في العيش والمشاركة، إنما يقدم مساحة وضمانة أن يكمل كل منهما الآخر، والمحاضرة الدسمة تأتي أيضاً ضمن خلق روح التقارب المسيحي الإسلامي وتكامل دورهما في الرقي بالأوطان ودعم مسيرة الحضارة الإنسانية. ولعله غني عن القول إن الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر كانت ضمن ما تدين به من ديانات المسيحية قبل الإسلام والتي انتشرت فيها حتى أصبحت ديانة أكثر القبائل العربية، كبني تغلب وتميم والغساسنة في بلاد الشام، والمناذرة وتنوخ (في قنسرين، ومسليم، وبكر في “ديار بكر” وربيعة، حيث شكل المسيحيون آنذاك 45 في المائة من السكان، واليوم هم في الوطن العربي لا يتعدون 5 في المائة، لذا ظهر في حينها الشعراء والخطباء والفرسان، حيث إن كل شعراء المعلقات هم من المسيحيين، وحاتم الطائي مسيحي، وقس بن ساعدة الأيادي أفصح العرب وأخطبهم، والأخطل وغيرهم كثير. وفي فترات التتريك ظهر العلماء والأدباء والوطنيون المتنورون من المسيحيين، وقاوموا الوجود العثماني، وأهم هذه المقاومة نشر الوعي القومي والتعليم الحديث وجلب المطابع، وتأسيس الصحف والمجلات كالأهرام للأخوين تقلا وروز اليوسف والهلال لجرجي زيدان، وفي المسرح جورج أبيض، وظهر منهم أصحاب فضل على اللغة العربية وقواميسها كالبستاني والشدياق، وشعراء كجبران ونعيمة، والقروي والخوري وإيليا أبوماضي وشعراء المهجر، عرفوا العالم بالأدب العربي، وساهموا في إدخال التحديث والتجديد، وخدموا الحضارة العربية في عصرها الجديد كما خدموها في عصورها القديمة المختلفة متعايشين بين إخوانهم المسلمين دون تفرقة أو تعالي طرف على الآخر في ظل أخوة وطنية متلازمة. اليوم يتعرض المسيحيون العرب إلى التهجير والترهيب والترغيب من أجل مغادرة الأوطان الحقيقية، وفتح بلدان المهجر لهم، وترغيب بشراء أراضيهم البكر والبور بغالي الأثمان، ولا نعرف من هي الجهة التي وراء ذلك ولا هو التنظيم الذي يسهل لهم الأمور ويفتح أمامهم كل الأبواب، ومن لا ينفع معه الترغيب هناك لغة العنف والترهيب، وما التفجيرات هنا وهناك، وما المضايقات المستمرة في العراق ومصر وبقية البلاد العربية حيث يتواجدون كأقليات مؤثرة، والآخرون يريدون أن يفرغوهم من وطنيتهم ويهجروهم إلى بلدان تدين بديانتهم، ليتخلصوا منهم في مشروعهم الديني السياسي! ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com