كنت أتابع برنامجاً عن السفينة السياحية العملاقة ''الملكة اليزابيث،''2 التي سترسو إلى الأبد في دبي، اعتباراً من العام المقبل، بعد أن تقرر تحويلها إلى فندق عائم، سيضيف ألقاً إلى إحدى كبريات الجزر الاصطناعية في العالم، ونعني ''نخلة جميرا''· تتقاعد هذه المدينة العائمة بعد مئات الرحلات عبر بحار ومحيطات العالم· ولاحظت أن الغالبية العظمى من مسافريها هم من كبار السن الذين يستمتعون بتقاعدهم بأسلوبهم الخاص· ومن يتابع أسواق السفر في أوروبا وأميركا الشمالية يفاجأ بالعدد الكبير من الشركات المتخصصة في خدمة المتقاعدين من عشاق الترحال· وهناك تجد كيف يخططون لقضاء أوقات تقاعدهم والاستمتاع بكل لحظة فيها· وبالمقابل قفزت أمامي صور التقاعد عندنا، حيث يجري استغلاله بصورة غريبة، كأن يتم إحالة رجل في ذروة عطائه إلى التقاعد، والأغرب أن يُذيّل القرار بأنه جاء بناءً على طلبه، وهو لا يدري عنه شيئاً، ثم الاستقطاعات الكبيرة من راتبه ليجد نفسه في حالة لهاث ومطاردة للمتطلبات المعيشية له ولأسرته· ولا يكاد يخلو بريدي يومياً من صرخة متقاعد، يشكو ضعف راتبه وحيلته في مواجهة أعباء الحياة التي تغرس أنيابها فيه· والأخطر أن فئةً من أبناء هؤلاء أصبحوا ينظرون إلى الوظيفة الحكومية على أنها أداة تقلب ظهر المجن لمن أفنى عمره في خدمة بلاده بإخلاص، و''الشاطر من يخرج منها بغنيمة محترمة'' تضمن له تقاعداً محترماً !!· وبين الصورتين المتضاربتين لأقصى ما يكون التناقض، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في مسألة التقاعد المبكر منه أو المتأخر لصون كرامة إنسان خدم مجتمعه ووطنه بصورة طيبة، وبكل إخلاص وتفانٍ، ولم يكن ينتظر جزاء ما قدم إلا تقاعداً مريحاً يصون كرامته، ويجنبه وأسرته مشقة السؤال في شيخوخته·· وللأسف صناديق المعاشات المحلية منها أو الاتحادية لا تتعامل بالاحترام والتقدير المطلوبين مع هذه الفئة، ويتناسى بعض المسؤولين فيها - للأسف - أنهم سيتجرعون من كأس التقاعد إن عاجلاً أم عاجلاً!·