كعادة المواطــن العـــربي، فإنه يجابه إشكالاته وأزماته بالسخــرية في الوقت الذي يواجهها فيه، إنه يولد النكتة ويتعاطاها كما يتعاطى التظاهر والهتاف والاحتجـاج، وإن كانت النكتـة حاضرة على طــول الخط في تفاصيل اليـــومي والشأن المعــتاد، فإن الأمر يـبدو وكأن الشعوب العربية شعــوب ساخرة أكــثر من أي شيء آخر، وتأملوا معي معظم النـاتج اليومي لمراسلات الهاتف المحمــول والبلاك بيري ستجدون أن النكتة تتسيد المادة المرسلة والمستقبلة عبر هذه التقنــيات المخــتلفة، لماذا ننكــت بهذه الشــــراهـة يا ترى؟ كتب أحد أساتذة السياسة الأميركان كتابا بعنوان المقاومة بالحيلة كان ضمن ما أشار إليه الرجل أن الناس في أي مجتمع عادة ما يقاومون سلطاتهم بشكلين لا ثالث لهما، إما بشكل علني حين تتيح السلطات هامشا من الحركة للناس للتعبير، وإما بشكل سري غير ظاهر حينما يضيق الهامش أو ينعدم أو حينما يهبط السقف على رؤوس الناس ويصطدمون بالسقف الزجاجي، فيرون الألم دون أن يتمكنوا من إيصال أصواتهم بشكل مباشر، حينها يلجأون للحيلة. المقاومة بالحيلة تتخذ أشكالا وأدوات متعددة، المسرح الساخر أحد هذه الاشكال، والرسم الكاريكاتوري شكل آخر لا يقل خطورة وأهمية، وكم قاوم الفلسطينيون برسومات ناجي العلي الكاريكاتيرية ذات التأثير الطاغي، وهنا تبدو النكتة السياسية واحدة من أشكال المقاومة بالحيلة التي اتبعتها شعوب مختلفة استطاعت أن تسخر من سلطاتها ومن واقعها ومن هزائمها ورموزها بابتداع نكت لاذعة هزت رموز السياسة ضحكا وخوفا، لأن النكتة كانت تقول رأي الناس في كلمات محدودة ولكن بشكل حاسم ونافذ ويصل الى ما بعد العظم في أغلب الأحيان. في الأزمات السياسية، وحين تحظر المؤسسات الإعلامية وغير الإعلامية الرأي المخالف والكلمة الحرة، والصرخة المعبرة، نجد النكت السياسية تتطاير عبر الموبايلات والبلاك بيري والبريد الالكتروني وبسرعة البرق لتصل إلى من يهمه الأمر بمنتهى الوضوح والصراحة، فهذا هو رأي الناس بشكل ساخر ومخيف في الوقت نفسه، ما يعني أنه وبعد تاريخ طويل من المصادرات والقمع العربي فقد اعتمدت النكتة السياسية كمتحدث رسمي حر للمعارضة الشعبية لدى كافة الشعوب العربية، وعليه فلا عجب إن كان أحد الرؤساء يكلف أشخاصا معينين وبشكل رسمي بتتبع كل ما كان يطلقه شعبه من نكت ويقدمه له على شكل تقرير يومي ليعرف رأي الناس فيما كان يجري !! وهكذا كانت ولا تزال النكتة السياسية سيدة الموقف في التظاهرات والاحتجاجات والغضب وردات الفعل العربية طوال تاريخنا الحديث. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com