يبدو أن شعوباً كثيرة سترفع قميص بوعزيزي في الشوارع، مطالبة بإسقاط أنظمة الحكم القائمة، حتى قيل أو كتب أن الصين قد اتخذت إجراءات فيما يتعلق بتدفق أخبار ما يحدث على الساحة المصرية، إضافة إلى دول أخرى، لكن هل يمكن النظر إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة باعتباره هدفاً نهائياً؟ ما من شك أن الإصلاح والديمقراطية خطان متلازمان لضمان حياة كريمة ومجتمعات مرفهة، وقد رفع شعار الإصلاح على طول الأرض وعرضها بداية الألفية الثالثة، لكن صوت الإصلاح والديمقراطية خبا أولاً، ثم انطفأ أخيراً، دون أن يتحقق منه شيء يمكن التعويل عليه، والسؤال البديهي: أما كان مشروع الإصلاح، الذي طرح منذ سنوات عدة، فرصة للكثير من المجتمعات للخروج من عنق الزجاجة؟ إن قميص بوعزيزي ودمه لا يكفيان، وفي دولة كبيرة وعريقة كمصر يساورني الخوف على ما ستأتي به الأيام إذا بقي هذا المأزق قائماً؟ ذلك أن احتمالات المستقبل المأزوم صعبة جداً، والتكهن بها أكثر صعوبة، فيكفي أن نقول مصر ، ليضع العالم العربي كله يده على قلبه، خوفاً وقلقاً، وليرتفع منسوب الأردنالين في عروق كل عربي، ما يعني أن مصر إذا مستها نسمة هواء أصيب العالم العربي والشرق الأوسط بأنفلونزا حادة وربما أكثر، وعليه فلا أحد يريد لمصر أن تزج إلى المجهول، لكننا كلنا ذاهبون معها للمصير ذاته، ومن يعتقد غير ذلك يكون لا يرى أبعد من أنفه!! يحق للشباب أصحاب المطالب المشروعة، التي اعترف بها كبار الساسة في العالم، أن يعبروا عنها وأن يحملوها فوق رؤوسهم ليوصلوا رسالتهم إلى من يرونه معنياً بأمرهم، لطالما التزموا بقوانين التحرك السلمي، ولطالما ظل قميص عثمان، الذي يحملونه، أو قميص بوعزيزي، مجرد لافتة أو علم أيضاً مسالم يحمل مطالبهم لا أكثر، وهذا ما فعله شباب مصر، لولا انحراف الأحداث عن مسارها، الذي لم يرده أولئك الشباب أبداً، والذي لم ولن يخدم إلا جهات وجماعات لا ترى في سيناريو الدم، إلا باباً يقود إلى خدمة مصالحها لا أكثر، بينما كاد هذا السيناريو أن يُدخِل مصر في طريق، ندعو الله ليل، نهار، ألا يكتب لمصر، أرضاً وشعباً، أن تدخله، أياً كانت الظروف. إن الدم الذي سال على أرض مصر في الأيام الماضية - دون وجه حق - لم يخدم إلا مخططات من يريد بالمنطقة وبمصر الشر والتهلكة، ودعونا لا ننسى سيناريو الفوضى الخلاقة، فحبر ذلك السيناريو لم يجف بعد، ودماء العراقيين لا تزال تنزف منذ أبريل من عام 2003، ولبنان لا يزال مفتوحاً على عواصف الدم والحروب والتوقعات غير المرغوبة، والسودان تشظى في لحظة ضعف وتشرذم وتآمر، وخريطة تقزيم وتقسيم الوطن العربي جاهزة في كثير من مراكز الأبحاث الدولية، ولعاب القوى الحالمة بآبار النفط وبالأسواق لا يزال يسيل كما هو عهده دائماً. يحتاج الوطن العربي، كما قلنا مراراً، لأن يعيد إنتاج أنظمته السياسية، بشكل يتضح من خلاله وعيه بما يحيط به وبما يراد له، هذا الوعي لا يزال غائباً والعلاقة المأزومة بين كثير من شوارع العالم العربي وأنظمته تقول ذلك بوضوح، لذلك فإن إصلاح العلاقة من خلال مؤسسات حقيقية، وقوانين واضحة، ودساتير محققة لطموحات الناس، وحافظة لوحدتهم الوطنية، هي وحدها الكفيلة بتعديل مسار العربة التي يبدو أن البعض يضحك عالياً، وهي تنحرف باتجاه مصير مجهول. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com