نحن أمة لا مكان لعبارة لا أعلم في قاموسها·· الصياد في البحر، عليم فهيم في شؤون الزراعة والتربة والشجر والحجر، والمزارع في مزرعته كليم الله في بحره، يعلن عن أسرار البحر واتجاهات الرياح في المواسم المختلفة وتوافر الأسماك في موقع دون الآخر· المحلل السياسي فهو باحث ومفكر يعلم خافي الأسرار ودفين الأخبار يحدثك عن الرياضة بإسهاب وعن الاقتصاد بإطناب والفن دون تردد، يعرف عن الفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات، ويُنظر عن الإخراج السينمائي، والسيناريو التلفزيوني وعن الماكياج والماكساج والكوميديا والتراجيديا، أما الصحفي فهذا علامة زمانه وسيد مكانه، فهو يفعل كما يفعل مصارع الثيران بيده القماشة الحمراء الفاقعة يلوح بها، يعتقد أنه الكائن الوحيد الفريد العنيد ذو التاريخ التليد والمجد المجيد، لا تفوته فائتة ولا تغلبه شاردة، فالعالم بتاريخه وجغرافيته دمية بين يديه يفهم أسراره ويعلم أخباره، وما على الآخرين إلا الاستماع إليه بإنصات والجلوس بأدب كتلاميذ مدرسة ابتدائية، بعضهم يتجاوز حدود اللياقة واللباقة والأناقة والرشاقة في الطرح، يُنصّب نفسه إلهاً واحداً، فهو يتحدث عن الديكتاتورية في العالم وتسلطها وجبروتها فنجده يرغى ويثغي ويزبد ويعربد ويطيح هذا وذاك ويلعن ويطحن ويكيل السباب ويوجه سهامه شرقاً وغربا شمالاً وجنوباً، جواً وأرضاً براً وبحراً، ولا يسلم من لسانه حتى لسانه، فعندما لا يجد موضوعاً متاحاً تراه يعض على أسنانه بتوتر المحتقن واضطراب الممتحن، العالم في عينيه أسود الوجه باهت السريرة وحتى لو أعطى جل الأعذار يظل أسود·· فالعالم في نظره ''تيس ولو طار'' هذا البعض وتحت ظلال سيوف الأقلام السامة، وفي رحاب ''مهنة المتاعب'' يتسلط فيخلط و''يخربط'' ويحل ويربط بقدرة العليم الذي لا يشق له غبار، ولا يوازيه أي جواد في الجموح نحو الصهيل والعويل· ''لا أعلم'' لم تنبت على تضاريسنا، ولم تسق يوماً زرعنا، ولم تطل يوماً عند نوافذنا، ولأننا أغلقنا النوافذ منذ الأزل واعتقدنا أننا الأرفع، والأروع، والأنصع، فنشأ الأفراد عندنا على هذا المستقيم الحاد المسنون المعجون بملح الكبرياء الزائفة وفقاعة التزمت·· فانطلقنا جميعاً أفراداً وجماعات متسلحين بهذا الزيف متلحفين بهذا الحيف، نحمل نعوشنا بأيدينا ونعض على بذرة فنائنا بالنواجذ·· مقتنعين، أن العربي، معجزة الزمان في كل الأحيان موسوعي، موضوعي، لا يباريه، فارس، ولا يرجفه برد قارس، هو الشيء ونقيضه، هو الماء بسطحه وحضيضه· لذلك، فإنه لا غرابة، عندما يمتشق، المحلل، والمفكر، والباحث، والصحفي، السيوف الصقال· يشهرها في وجه الآخر، محذراً، موبخاً وأحياناً مهدداً انه يعلم كل شيء ولديه المعلومات الغزيرة الوفيرة عن هذا وذاك وبامكانه سرد الحقائق وتحقيق الدقائق من الأمور وتفسير الرقائق من السر المحفور في أتون الأرض وكبد السماء· كبرياء عجفاء لا تعتني كثيراً ''بلا أعلم'' ولذلك، فإن الذي لا يعلم، ويفتي فلم يفهم والذي لا يفهم، ناقة عرجاء تسير في طريق وعر معتم وهذا حالنا وهذا مصيرنا لم نتعلم من اللا أعلم شيئاً فخسرنا العلم وانهزمنا وانكسرنا واندحرنا ولكن بين ظهرانينا كائنات بشرية ما زالت تصر على المفهومية والنجومية فهي في اعتقادها أنها أقمار لا يصيبها الخسوف، ولا ينالها العزوف، بل مضيئة في الليل، ناصعة في النهار، حيوية في كل الظروف·· لنقلها مرة·· لنقل لا نعلم ·· ومن قال لا أعلم فقد أفتى·