لكل منا ملحمة خاصة به، تعيش فيها أفكاره ومشاعره وأحلامه وهمومه وساعات ألمه ولحظات لذته، حتى يتجاوز شعوره اليقين بأنه عالَم يعيش في إنسان وليس العكس.. ولعل هذا الأمر طبيعياً، عندما لا تتجاوز فترة هذا الشعور بعض الساعات، المهم أن الأمر لا يطول عن ذلك، إذ أن الخطورة تكمن في طول فترة هذا الشعور والتصاقه بالبعض أحيانا، لدرجة نجد فيها البعض وقد تقمص دور العالَم، بل وتوج نفسه محوراً لكل ما هو حوله.
يقول الكاتب السعودي تركي الحمد في مقدمة كتابه «ويبقى التاريخ مفتوحا» «يتحول عمر الإنسان، كل إنسان، إلى مجرد لحظة عابرة ونقطة ضائعة في لجة ماء لا أول لها ولا آخر..» وأرى في تشبيهه هذا تصغيرا لعمر أي كان مهما كان، إلى شيء عبثي ليس له أي معنى، وبما أنه عبثي فهو لا يحمل أي قيمة للقوة إلا ضمن مجموع عدد هائل من أعمار البشر ولكن أيضا بشرط، -فقد تكون أعمار هذه الجماعة من البشر تمثل نقطة عبثية أخرى في شيء غير منته-، والشرط هو إسهام هذه الجماعة من البشر بشيء حقيقي تجبر به التأريخ ليقف لحظة أمام إسهامها ليغير مساره بشكل يختلف عما كان يسير فيه.
ورغم صدق هذه الحالة بشأن التأريخ الذي يمضي غير مبال بهؤلاء الذين يعيشون وكأن العالم يعيش فيهم، في حين أن هامش العالم يلفظهم؛ بل ورغم ملايين التجارب السابقة التي أكدت فشلهم، إلا أن العالم ما زال يحوي الملايين من هذه الشاكلة ومازالوا يصرون على عبثيتهم في جعل التأريخ يتخطاهم متجاهلاً النظر ولو للحظة لسنوات عمرهم.
أرى في ذلك خلاصة كل التجارب الإنسانية التي وصلت إليها البشرية بكل أحوالها السياسية الاقتصادية والاجتماعية بل وحتى الثقافية؛ فهي تبسيط من وجهة نظري لفكرة المواطن والمواطنة التي نعيشها في عالمنا العربي والبعيدة تماما عن فكرة المواطنة التي يعيشها الغرب؛ فالمواطنة التي يعيشها البعض حاليا تعاني خللا خطيرا ينبئ لا محالة بسقوط الوطن ذاته، لأن حصر الوطن بكل أبعاده ومداه في شخص واحد يعني بالتأكيد الحكم عليه بالنهاية ومكان أبعد من هامش التاريخ.
وهو ما جرى ويجري حولنا كل يوم؛ حيث يسير التأريخ بعيدا غير ملتفت لما يحدث في أوطان اختار مواطنوها أن يعيشوا الوطن في ذواتهم غير مبالين بكل ما حولهم وكأنهم المحور، فيما هم لن يشكلوا فيه سوى لحظة عبثية في لجة ماء من نهر يصب في بحر مغلق يجاور محيطاً من أصغر المحيطات على وجه هذه الأرض.


Als.almenhaly@admedia.ae