“حركة بلا بركة”.. كانت هذه العبارة عنوان جلسة جمعت أصدقاء ينتمون إلى حرفة الكتابة وإلى عدة دول عربية. الحركة الموصوفة هي حركة الثقافة العربية، والوصف يبدو صادقاً في إجماله ضامراً في التفاصيل. فالصورة العامة للثقافة العربية، إنساناً وإنتاجاً، هي أنها حركة هامدة، ناسخة، متكررة في كل الأحوال والأماكن. ربما يواجهك سؤال محرج في كل يوم: ما هو الجديد الثقافي؟ أين هي الإضافة الفكرية أو الأدبية أو الشعرية أو الفنية التي أنتجها عرب طوال عام، وطبعت عامهم بها؟ لماذا كل هذا الضجيج الاحتفالي، من حدود المشرق إلى حافة المغرب، المنطوي على خواء؟ وربما يثور سؤال أكثر إحراجاً: ما الفارق بين مهرجان ينعقد في قرطاج وآخر في القاهرة؟ أو ما الذي يميّز معرضا يقوم في الدار البيضاء وآخر في الرياض؟ نعم، هناك فارق: التنوّع المكاني.. أغنانا الله عن أي مفارقة أخرى! جرى مثل هذا الحديث عشية الحدث الثقافي الإماراتي. وهو حدث حمل في مضامينه ومعانيه ومراميه، عناوين استثنائية في الحالة الثقافية العربية ـ حتى لا نسميها حركة. تابعنا في أبوظبي التقاطات موفقة لعناصر التميز في الإبداع العربي، وتكريمها بما يليق. احتضنت جائزة الشيخ زايد للكتاب مجموعة من الجادين في البحث والكتابة، تجمعهم صفة واحدة هي أنهم كلهم مغمورون، باستثناء شخصية العام الثقافية التي منحت إلى نجم لامع هو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حام الشارقة.. وبين المغمورين والمشهورين تبدت أكثر صدقية الجائزة. وينطبق المثال على جائزة (البوكر العربية)، التي سلبت من الروائيين العرب حجة الإهمال والتهميش، وفتحت أمامهم ميداناص لسباق مشرّف. وشهدنا في أبوظبي، جلسات المؤتمر الدولي للناشرين. العشرات منهم، عرباً وأجانب، ناقشوا موضوعات كانت بالنسبة إلى الكثيرين تبدو وكأنها شأن أكاديمي خاص، وإذ هي أساس لازم للعلاقة الثقافية مع الآخر: الملكية الفكرية، والترقيم الدولي للكتاب، وحقوق الترجمة، وسبل التحقق من الرواج، وأحوال النشر في مجتمعات تشبهنا، وسبر الآراء حول احتياجات القراء، وغيرها من الأسس التي تجعل من العملية الثقافية جزءاً تكوينياً في المجتمع. ثم جاء الحدث الأكبر: أكثر من 800 عارض، من أكثر من 60 دولة، وأكثر من 150 فعالية، وأكثر من 1200 ضيف، اجتمعوا مع مئات ألوف الرواد تحت سقف معرض أبوظبي الدولي للكتاب. بدا المعرض وكأنه تجمع لكل أنواع المعارف ومنجزاتها: المحاضرات والنقاشات والقراءات الشعرية، والأنشطة الفنية والتشكيلية، والتعريف بالبرمجيات الجديدة، وحدائق الترفيه للأطفال، وأركان متخصصة لثقافات متداخلة من الصين إلى أميركا اللاتينية، فضلا عن النشاط الأساسي وهو أن يكون المعرض سوقاً كبيراً للكتاب.. وهنا معيار ضروري للنجاح، افترضه جان بول سارتر بقوله: “إن الكتاب وهو ملقى على الرف أشبه بالجسم الميت تدبّ فيه الحياة إذا ما امتدت إليه يد القارئ”. حضرت ملايين العناوين، إلى معرض أبوظبي، بلا حدّ يبعدها، ولا سدّ يحول دون وصولها.. وكانت في انتظارها ملايين الأيدي تحتضنها، تماما كما المدينة الحاضنة.. تماما كما المدينة التي رعت رواية عربية وهي تمنح أرفع جائزة، في الوقت الذي كانت تواجه بالطرد والنكران من معرض الكتاب في بلدها. عادل علي adelk58@hotmail.com