في البدء قالت:''أيها الوجه البريء في المرآة /أيها الساخر من ظنوني /وأنا خيالك في الواقع/ والمرآة بيننا''· لا تقول ذلك غير أميرة محاصرة بالشوك وبأحلام كبيرة ومحيط مسيج بالرمال والهجرة والمنفى والأسوار العالية حتى وإن كان ذلك ذاتيا وطوعيا·· مسافات بعيدة بين رؤيا تسكن الغيم وتنظر من خلف ألف حارس وبواب· عرفتها أميرة اسم يتطابق مع ذاته وتاريخه وفكره وصفاء سريرة لا تسكن غير هذا النوع من الناس الذين صنعتهم الأيام وعلمتهم التجارب والبعد عن الوطن، أن الفرد بالناس، والناس بالفرد عندما يكون صادقاً وحقيقياً ،حيث إن الصقر لا يرتفع عالياً، إلا أنه يحب صعود هامات السماء والفضاء الواسع، ولا يقبل بغير القمة مسكناً· تقول ذلك الجميلة الشامخة والتي يحمل أحد معاني اسمها ''آخر قطرة في الكأس'' بالتأكيد اسم جميل مثل طيبته وروح ميسون، لا أقول ذلك جزافاً ولكنها بصدق وكما يعرف الذين اقتربوا أو عرفوا هذا الاسم المبدع والفنان وعلى كل الوجوه الثقافية· ميسون صقر الأديبة والشاعرة التي تمزج الماء العذب بالبحر لتخرج مرجانا ولؤلؤا ودهن عود ثم تسكبه في قصائدها البديعة ولوحاتها الجميلة· هذه الشاعرة وافرة العطاء الثقافي والأدبي والفني وهي أيضاً سفيرة فوق العادة للثقافة الإماراتية في القاهرة مثل زميلتها الشاعرة ظبية خميس· صدر لها أخيراً ديوان شعر مهم جداً بعنوان ''أرملة قاطع طريق'' وفي هذا الديوان تظهر قصائد في غاية الأهمية، بل جزء من التاريخ الشخصي والعام بالنسبة لشخصية مثل ميسون صقر خاصة عندما تتحدث عن ذاكرتها الذاتية أو العائلية والتي لا تنفصل في بعض الأجزاء عن مرحلة من تاريخ الإمارات أو تلك الفترة التي تعيشها ميسون في القاهرة· سوف نترك بداية الديوان الذي يحمل مثل هذه القصائد وإن كانت مهمة جداً وسوف أقف على بعض القصائد المهمة أيضاً ولكن بعيدة قليلاً عن اختلاط الشخصي بالعام عند ميسون صقر· ''ستخبئنا الصحراء بلا أثر/ الرمل يمسح آثار أقدامنا/ ولم نخف / هل نسيت؟/الخيمة تحجب شمسها الحارقة/ لا تقل وداعاً/لم تذهب أيها الرحالة من هنا/ حملت صورنا وقبضت اللحظة/ وضعتها معلقة هناك/ نحن من هنا، وأتيت/ علقتنا صورة هناك/ صورة فقط وذهبت بين الحالتين''· ليست هذه الصورة النمطية التي ظهرت في تاريخ الخليج العربي والذي سجل له الاستكشافيون أو الجواسيس أو عناصر المخابرات البريطانية والذي سمي تقرير هؤلاء فيما بعد بأنها حكايات من الشرق أو جزء من تاريخ الصحراء أو صور عن الصحراء والجزيرة بل تذهب ميسون لتقديم أيضاً صورا جديدة عبر رحلات الشرق وما ظهر في تسجيلات هؤلاء الذين احتلوا الهند والشرق العربي· تقول في إحدى القصائد المهمة جدا: ''في المركب الخشبي الذي يبحر إلى كلكتا/ ويجلب صندلا وتوابل معبقة برائحة الهند/ في زجاجات صغيرة بمقتضى ذهبي/ الجاسوس الذي ركب من كلكتا/ اصطحبوه فكتب سيرتهم/ وبل القلم في ماء البحر/ صورهم، وبعد خمسين عاماً/ طبع سيرته في كتاب/ عاد تاجراً كبيراً وصديقاً/ يعرض صور الغواصين/ يدعوهم إلى فنجان قهوة''· وعندما تقدم الشاعرة ميسون صقر هذه القصيدة فهي شهادة وتوثيق على مسيرة الحياة هنا بين الصحراء والبحر·· ولعل قصيدة ابتسم أنت في الشرق واحدة من الدلالات المهمة ايضاً لتوضيح صور قديمة تم تجديدها بعد أن طليت بأصباغ جديدة لامعة!! ''الرحالة الذين مروا من هنا/ حملوا متاعهم وذهبوا/ ولما عاد أحفادهم/ جاءوا بالصورة/ وعلقوا الجثث على مآذننا/ وابتسموا''· لنقف عند فقرة صغيرة من مذكرات مبارك بن لندن ''ولفرد سيتجر'' بعد أن انتهت الرحلة التي قطع فيها الصحراء وودع مرافقيه الذين دلوه على مسالك وطرق ودروب الصحراء يقول: وبعد أن ذهبوا قاد أحدهم سطوا مسلحا أو غارة/ غزوة مع بعض البدو على آخرين في منطقة الذيد، وبعد فترة جاءت قصاصة ورق من مرافقه الذي يعرفه تماماً تقول باختصار: ''أنا محبوس في رأس الخيمة تعال وخلصني''· لم يتجه برسالته إلى شخص آخر لأنه يعلم أن نفوذه أقوى وتأثيره أكبر بحكم أن يد الانجليز فوق كل شيء! ولكن بعد خمسين سنة كيف ظهرت الصورة أو مجموعة الصور وحتى الأحاديث الصحفية، تقول ميسون في إحدى القصائد: ''هل صورني أحدهم؟/ هل هزمتني أيها الغرق؟''