هناك إشارات وإيماءات وحركات باليد أو العين أو الحاجب أو الفم تعني عند الشعوب تعابير مختلفة ومتباينة، فما يفهمه الأوروبي منها غير ما يفهمه مسلمو جنوب وشرق آسيا، فالثقافة العربية والإسلامية لا تقبل ما تعتبره الثقافة الإنجليزية أو الأميركية أو الأوروبية أمراً طبيعياً وضرورياً ومن الفطرة، وكذلك هم لا يعتبرون ما يقوم به العربي من تجشؤ بعد الأكل والشبع أمراً صحياً، بل عيباً، وفعلاً مشمئزاً، مسألة الأخذ بالحضن، أو تضع يدك على كتف صديقك وتمشي بتلك العاطفة الشرقية الجياشة، ليس له إلا تفسير واحد عند الأوروبيين.
ومؤخراً رأيت صوراً للرئيس الأميركي أوباما وهو في البيت الأبيض وبين موظفيه، وفيها جميعاً يمد رجليه الطويلتين على الطاولة، ومرات على طاولة مكتبه في البيت الرئاسي، ويرفع حذاءه الذي أعتقد أنه بقياس 45 في وجه الموظفين، ولو كان بمنصب وزير أو رئيس الأمن القومي، فقط يلتزم الحذر إن كانت هناك امرأة بينهم، وهو أمر طبيعي عند الأميركيين، ولا يتضايق منه أحد، وتعد جلسة فيها أريحية وغير متكلفة ورياضية، في حين أن العرب والمسلمين يعدون أن تضع رجلاً فوق رجل في جلستك وفي حضورهم مسألة معيبة، وفيها قلة احترام، وعدم تقدير، فكيف ترفع رجلك أمامهم، وحذاؤك في وجوههم، تلك مسألة دونها خرط الحسام، لذا يتجنب الرئيس الأميركي هذه المسألة في حضور أحد العرب أو المسلمين أو حتى الهنود، لأن ثقافة الحذاء تعني قلة احترام وعدم تبجيل، وجزءاً من مسبة أن تعنت الآخر بالحذاء أو على الحذاء، لذا قذف بوش الأبن بحذاء من الصحفي العراقي وهو يلقي خطابه في بغداد كان حديث العالم، وكان يعني عند العرب والمسلمين الكثير.
حتى أن الشعراء والكتّاب أمتدحوا حذاء الزيدي، ودبجوا فيه القصائد، وحده بوش والأميركيون أعتبروا المسألة جزءاً من التعبير الغاضب، ولا تخص جرح الكبرياء، وإهدار الكرامة، وتصغير المقام، ومرة ظهر القذافي متعمداً رفع رجله وحذائه في وجه رئيس وزراء بريطانيا بلير، ويومها سال المداد في تمجيد تلك الفعلة، وأن القذافي لا يهمه أحداً، كله على طرف جزمته، وحده بلير كان كعادته، وجه إنجليزي بارد دون تعابير تذكر أو تسجل، الرئيس اليمني الذي ظل يتحايل على المبادرة الخليجية، وتأكيد الضمانات، والتعهد بالحصانة، والمراوغة السياسية، والتهديد بالجيش والعنف، حتى كان قصف المسجد والأضرار التي لحقت به، وأحرقت وجهه ويديه، فتعالج وعاد وبدأ يهدد بيديه ذات القفاز المخملي، وطوّل وتطاول حتى خرج من اليمن بكلمات ناعمة ملساء وذات معان لا تعني الهزيمة أو التنازل أو السقوط، حتى تجرأ وقال: إنه راجع بعد رحلة العلاج في أميركا إلى حزبه وسيترشح، وسيفوز، وسيحكم، لكن في أميركا تلقى رمية بحذاء، وهي عند اليمني تعني أمراً وحيداً، دونه رفع الجنابي!


amood8@yahoo.com