للتصنيفات أبواب كثيرة وقد راجت هذه الأيام بشكل متزايد، فالكل يقسم الكل والكل يصنف الجميع، تصنيفات على أساس المواقف الوطنية وتقسيمات على أسس أخرى، وفي كل بلد اتجاه معين لتصنيف الناس، في مصر يصنف الناس على أساس موقفهم من الثورة ومن النظام السابق ومن نتائج الانتخابات ومن الإخوان المسلمين ومن...، وفي البحرين يصنفون على أساس المواقف والانتماءات المذهبية والموقف من الحكومة والملك، وفي ليبيا وفي تونس وفي الكويت و... ولا زلت أؤمن بقول جبران خليل جبران: لا خير في أمة كثرت فيها طوائفها وقل فيها الدين، وهذا تصنيف آخر.
الناس في كل الأمكنة والأزمنة مهووسون بتصنيف بعضهم بعضا، بوضع جداول ومعايير وإسقاط الناس في خانات ضيقة بحسب ما يهدفون أو يرون بأنه يناسبهم أو يتفصل عليهم، فهم يفصلون ويضعون معايير وسمات وتصرفات وأقوالاً تنطبق على كل فئة، فالوطني إن لم تتوافر فيه هذه السمات- حسب معاييرهم - فهو غير وطني، هكذا ببساطة !! و”الهاي كلاس” في المجتمع يمتلكون كذا ويتحدثون هكذا ويترددون على المحلات الفلانية و... إلخ. والمواطنون الحداثيون هم فئة يصنفها البعض بأنهم شباب ينتمون لفكر مدن الحداثة أو ما بعد الحداثة، المدن التي لا تؤمن بالانتماءات القطرية او الحدود السيادية للدول، فهم لا يعترفون بهوية خاصة ولا ذاتية محددة لقوم أو شعب، فالكل ينتمي للعولمة ولثقافة واحدة .. وهكذا !!
أظننا في الأيام المقبلة سنكون بحاجة ماسة لمثقفين ومهتمين بالسلوك الاجتماعي أو ما يعرف بالسوسيولوجيا، العلم الذي يدرس تطور المجتمعات والعوامل والقوانين التي تحكم وتمل على التأثير في هذا التغير أو التطور، دون أن ننسى أن هناك قوة ضخمة تتفاعل بشكل فائق النعومة والتأثير داخل مفاصل مجتمعاتنا حديثة النشأة، وهي ما يعرف بوسائل الإعلام الجديد أو الإعلام الاجتماعي، وما يولده من توجهات وأفكار وطرائق معيشة وآفاق واسعة من الاحتشاد والزخم الاجتماعي في التعاطي مع القضايا والأفكار.
التصنيفات تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، الكل يصنف الكل، ومن منطلق هذا التصنيف يتم توزيع الوطنية والإيمان والدين والصلاح والفساد، في الوقت الذي يتصرف البعض أحيانا بنزق وثقة غريبة فيعطون من خلالها لأنفسهم حق تصنيف الناس دون تثبت وتيقن، فهذا ملحد، وهذا لا ديني، وذاك شيوعي وفلان غير وطني والشاب الفلاني إخوان مسلمين وغيره من عبدة الشيطان ... يا الله هل لدينا كل هؤلاء، إذا فكرت في أن تسأل هذا السؤال بكل بساطة وربما سذاجة ستواجه بتهمة الغفلة، وبأنك لا تدري بهذه المياه التي تجري من تحتك .
يكشف الإعلام الجديد ما لم يستطع الإعلام التقليدي لعقود طويلة أن يكشفه، والسبب مساحة الحرية الواسعة التي يمنحها لرواده والمنتمين إليه، إلى درجة أن البعض صار يشخبط كطفل على جدار “الفيسبوك” وصفحة “تويتر” يقول ما يخطر على باله دون أن ينتبه إلى أنه في “تويتر” تحديدا هو مجرد عصفور صغير جدا يغرد مع ملايين غيره لكنهم في نهاية الأمر محبوسون في قفص كبير ليس بعيدا عن الأعين ، وحين تدوس قدماك أرض المحرمات فإنه لا “تويتر” سينفعك ولا “الفيسبوك”.
في السعودية تتفاعل قضية حمزة الكشغري الذي قيل بأنه تطاول على الذات الإلهية والرسول والدين على صفحته في الفيسبوك، بشكل ولد صدمة اجتماعية لدى الناس وكنت أقرأ قبل قليل خبرا حول تعليمات بمحاكمته .. هناك خطوط حمراء لا يعفيك الإعلام الجديد من الالتزام بها في نهاية الأمر.


ayya-222@hotmail.com