في ذاكرة الزمان تسكن أشياء كثيرة، منها القاسي ومنها الفرح والمبهج، منها الشرس والقوي والشرير·· تؤلمنا هذه الذاكرة كثيراً في جانب من وجهها وتفرحنا كثيراً في الجانب الآخر من وجهها·· في ذاكرة الزمن القديم من حياتنا (الطفولة الصبا) توجد جمل جميلة تسكن أرواحنا وقاع العقل، تسكن في ذاكرة النفس، وعند حضورها ينشرح القلب· هي جمل من حكم وأمثال ومقولات وكلام، ربما يقول عنها البعض لا معنى لها ولكنها هي في الوقت ذاته لها من المعاني الكثير، المعاني الرائعة، تلك التي أسست وجودنا الآن، هي تحركنا عند لقاء الآخرين·· تحركنا عند ما يخوننا الزمن·· وتبهجنا حين تذكر طلة الحبيبة بوجهها الجميل كي تقول صباح الخير · جمل أتت على لسان الأم أو الأب أو الجدة، جمل قالها احد ما وتركت بصمتها في قلوبنا، تجعلنا نحتفي بالفرح ونجعله يبهج الأيام ونحيل الحزن إلى اللا شيء· من الجمل القديمة كتبت أجمل النصوص·· كتب شعر رائع وروايات فاتنة وشرسة متقنة الحبك ومحرضة حد الفتنة على الحياة المبهجة· لن نستطيع تجاوز تلك الجمل القديمة مهما أمعن التحديث في امتطاء الحياة وقرر مشهداً آخر للوجود·· الجمل القديمة هي مفتاح الفرح وهي التي نعود إليها كلما ''ارتعش المستقبل''·· فيها بوح عن شعور صادق، فيها ضوء القمر وهو يكتسي المدينة ويكتسي الصحراء، فيها حب وشعر وقبلة حرة لا تتوارى عن الضوء· كثيرون في الحياة تعلموا من جملهم القديمة أشياء كثيرة (الصدق، الإخلاص، الطهارة، النقاء، ، الحرية والمحبة)· تشكل الجمل جزءاً كبيراً من ثقافتنا، حتى ونحن نكبر ونكبر في الزمن ونستقي من المعرفة القادمة من المكان والأمكنة شهد الخيال والتأمل، حيث مفتاح الحياة وفي الوجود حكايات لها ننحني احتراماً، حكايات لم تكتب، الحكايات الشفاهية التي تحرث في أذهاننا وتقودنا لسلوك جميل·· قديمة الحكايات ولكن السلوك ليس بقديم·· سلوك متجدد على الدوام، نرعاه ونعتني به و يُحيي فينا فرح الحياة· *** جمل العظماء من شعراء وفلاسفة وروائيين وقصاصين ومسرحيين وسياسيين ومناضلين وثوريين·· كثيرا ما تشكل مَخرجنا وقوتنا أمام الواقع حين يراد له أن يكون عاديا وسطحياً إلى حد البشاعة·· وحين يُنتهك الفكر من قبل غزاة الجمال والفرح والإبداع· كم ساهمت الجمل الشعرية والفلسفية الحكيمة في تغيير مسار حياتك ودفعتها إلى الأعلى·· كم صانتك وحصنتك من السقوط والتقهقر عندما فسد الوسط وتحكم المستغلون والمرابون في مشهد الصباح وجمال الليل· هي جمل لابد من رعايتها والاعتناء بها ودفعها نحو الروح كي تطهرها وتصفيها من بقايا الزيف الذي يصر أن يلتصق بنا في رحلة العمر، وكي تتوالد وتزين اليومي بالحب·