كثيراً ما تناول الأدب العلاقات الإنسانية، بل تمحور كله حول هذه العلاقات التي شكلت ملاحم أدبية وتحفاً فنية رائعة تتجلى في السرد الأدبي حين يملك السارد تقنية الكتابة والخيال الواسع الخصب الذي يفتح آفاقاً غير متوقعة بين فقرة وفقرة، ويذهب بعيون القارئ وبخياله إلى فضاء السحر الجميل الذي يأخذك إلى حقيقة جديدة ورؤية غير مكتشفة فيك وفي العالم، حين يكتب بفكر متقد حكمةً، وروح واسعة متفتحة على الآخر بكل اختلافاته، روح شاسعة الاستيعاب وبصيرة لا تحد. تناول الأدب تلك العلاقات بأشكال ورؤى مختلفة بين ثقافة وثقافة بين جغرافيا كاتب وكاتب، بين نفس طويل وآخر ضيق الأفق، ففي جل هذا الفاتن المسمى أدباً سردت قصص الحب والصداقة والقرابة بين الإخوة وبين الأب والأم بين الأبناء والأعداء والأصدقاء، بين الدول والممالك والجمهوريات، فبهرتنا بعض تلك العلاقات في تفاصيلها الزاخرة بالنبل والصدق والشرف والبطولات العالية في القيم الإنسانية الكبيرة حين تزين القائد أو العاشق حين تسمو روح العاشقة إلى حد أن تطير وتختفي مع عشيقها في لحظة انتشاء لا تنتهي، حيث يقرر الكاتب أن يوقف الزمن عندها، أن لا تمس وأن تذهب بعيداً في جمالها. وتصيبنا تلك العلاقات بالإحباط وأحياناً بالاشمئزاز حين يتجسد الشر في كل تفاصيل تلك العلاقات الإنسانية كأنه مصير محتوم، يصيبنا الشرر المتطاير من الحروف والكلمات التي تجسد معنى العلاقات في العمل الأدبي، بالحروق في الصدر وفي خلايا المخ من شدة القوة السلبية في تلك العلاقات التي نتمنى أن لا نكون في دائرتها مطلقاً. بين الأدب والواقع ربما يقول البعض إن هناك فرقاً شاسعاً بين ما يكتب وبين ما يعاش، لكن في الحقيقة لا يكون هناك فرق كبير بين العلاقات على الورق وتلك التي نعيشها في الواقع اليومي، بل إنها في الأدب أكثر تشريحاً وأكثر كشفاً لباطن تلك العلاقات، حيث يعمل الكاتب الماهر بين كتابة الحرف والكلمة والجملة على إيقاف الزمن والتمعن العميق في العلاقة التي يسردها ويقدم لنا الأزمة الحقيقية في العلاقات التي تمر في واقعنا دون أن ندرك كم منها سقط من حياتنا. في حياة الواقع، نأتي وحيدين ونغادر وحيدين وبين هذه الفسحة بين الإياب والغياب نمر في مدى متسع من العلاقات الإنسانية، ولا يرسخ فينا، في أكثر حالاتنا تجلياً سوى تلك العلاقة الأزلية مع الأم، لا يرسخ في الصورة إلاها، ترسخ كأنها قديسة تمسح كل خطايانا وتعطرنا بضوء روحها. فيما عدا ذلك تبقى كل العلاقات تتخذ شكلاً ومرحلة في حياتنا، حيث في صندوق الوصايا والقوانين، صندوق المسموح والممنوع تمر تلك العلاقات في أزمة دائماً، وقليل منها ما يصمد في تبدلات الزمن، وكثير منها ما يسقط مع تبدلات حياتنا وتفكيرنا ورؤيتنا. وحين تبنى تلك العلاقات بين الأفراد والشعوب والحكومات على منطق المصالح المادية الزائلة وليس على جانبها الإنساني والثقافي والحضاري التكاملي النبيل والذي يؤمن بالاختلاف في أقصى حدوده، فإن كل العلاقات الإنسانية تكون في أزمة حقيقية واسعة ومتشعبة ولا يأتي منها سوى الخراب في أقل تقدير. سعد جمعة | saadj mah@hotmail.com