أعرف تماماً أن السنة الثابتة في هذا الكون هي سنة التغيير، الطفل يكبر، الشجر يكبر، الناس تهرم وتموت، المجتمعات تتغير وتتطور، الصغار يصيرون كباراً ويتزوجون في غفلة منا وينجبون وسط دهشتنا بجمال التغيير، لاشيء يبقى على حاله، ذلك ضد طبيعة الأشياء وناموس الكون وسنن الله في الخلق، الطير يفارق الغصن، النظرة تفر من العين، السهم ينطلق من الوتر، الضوء يسرقه الليل ويمضي، السحاب يصير ماء يبللنا على غفلة، والسماء تصير زرقاء بعد أن كانت داكنة. الذين يخافون من التغيير فإنهم يفعلون ذلك لعدة أسباب أولها أن التغيير لم يأت من خلالهم فهناك من يريد أن يكون صاحب الفضل في كل شيء فإذا لم يكن هو صاحب الفكرة فالفكرة باطلة حتى لو كانت تستحق جائزة نوبل، وهناك من ستتيبس الحياة في مفاصل مصالحه الجارية على أحسن ما تكون في وضع الجمود، وهناك من يخاف من التغيير بلا مقدمات فهو يطمئن أكثر لما اعتاد عليه، وهناك من يعتقد أن مبدأ “إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون” هو الأساس الذي يقوم عليه استمرار الحياة !! وبدون شرح أو كثير فلسفة فإن التغيير هو المنطق الأكثر تلاؤماً مع الحياة، أما المصالح فيمكنها أن تحرك مفاصلها في أي ظرف، الأمر لا يحتاج إلا لقليل من الذكاء والشفافية والصلاح، فإذا تعسر الصلاح لزم على أهل المصالح تغييرها لكن التغيير لا يمكن التجاوز عنه أو عرقة منطقه لأنه قوي إلى درجة سحق كل ما أمامه. ينبري البعض للدفاع عن أوضاع جامدة وخاطئة بشكل مريب، فيظهر ضعفهم وتناقضهم وفقدانهم لأبسط أبجديات المنطق والقدرة على إقناعك بما يدافعون عنه، سواء كان هذا الدفاع عن سياسة خاطئة أو مدير سيئ، أو فكر معوج، أو حتى كتاب هزيل المحتوى، السبب أن منطق المصالح منطق شديد العمى وشديد النرجسية، ولذلك فهو لا يتعقل الأشياء ولا يسمع جيداً. دافع أحدهم عن مديره في العمل، فقال إنه ليس سيئاً، وبأنه طيب ويذهب للعمرة باستمرار وهو زوج مخلص و....، وبقي أن يقول لنا إنه يشرب الحليب في الثامنة مساء ويغط في نومه كطفل بريء في التاسعة، وعجبنا ما علاقة ذهابه للعمرة وإخلاصه لزوجته في تفاصيل إدارته السيئة التي قادت لاستقالات جماعية من المؤسسة، ولهجرة الشباب المواطن وأكثرهم من المتميزين، ولملء الإدارة بجنسيات مختلفة كبدلاء لشباب الوطن، ما علاقة طيبته بحالات التقاعد التي تقدم بها كثير من الشباب في فترته وفترة من سبقه من المدراء الطيبين الذين يحبون زوجاتهم ؟ يبدو أن ما نقوله كل يوم من أن بعض المدراء يتعاملون مع الوظيفة بمنطق شخصي بحت ولا يفرقون بين غرفة المكتب وغرفة صالون البيت، وبين الموظفين الذين يعملون “معهم” في المؤسسة والشباب الذين يسهرون “عندهم” في “الميلس” كل يوم بعد صلاة العشاء، وبلا شك فهناك فرق كبير بين “معهم “ وبين “عندهم” ولا غرابة أن هناك من يدافع عن أمثال هؤلاء المدراء الذين لا زالوا يمارسون إدارة أرقى المؤسسات بشكل لا يتناسب مع توجهات الشفافية والحوكمة والإصلاح الذي ينادى به على رؤوس الأشهاد في كل الدنيا، لا غرابة طالما بقيت المصالح الخاصة تحكمهم وليس المصلحة العامة !! عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com