«عجيبة صور الناس في جوازات سفرهم، تجدهم جادين أكثر من اللزوم، وبعضهم في وضعية الاستعداد للانقضاض، وبعضهم متخشب تقول جالس على كوار ضّوّ، والبعض الآخر، تقول جالس جلسة أبو العوس، راكد، خاتل، تقول رَاكّ على بيض، وهناك من تجده لا يقدر على التنفس، وفيه ضيقة صدر، وتصلب واضح في الأعضاء، وحدها الأكتاف تراها تجاهد أن تكون غير متخاذلة ساعتها.
فترة التشنج لدقائق التصوير، كلنا نمر بها، ولا بد للعين أن ترف لومضة «الفلاش» أو ترى دمعاً خفيفاً يترقرق، أما حين كنا نصور عند العَكّاس الذي في السوق القديم، فكان يخرجنا إلى جدار، حيث الشمس تظل تصّلي الرأس، وتدمع العين أو تجعل واحدة أصغر من أختها، يومها كانت الصور بالأسود والأبيض، ويظل صاحب استديو «الخليج» في أبوظبي أو استوديو «ساحل عُمان» في العين، يلون تلك الصور بألوان مائية، سرعان ما تبهت مع الوقت، وتصبح الصورة ضاربة إلى اللون البني، خلال دقائق التصوير تلك، نكتم النفس، ونبقى ملتزمين بتعاليم المصور الذي يزيد من توترنا، وجعل صورنا لا تبدو طبيعية، وليست فيها مسحة جمال، يبقى يحيس رقابنا، بوضعية ربع التفاتة، ثم يذهب لكاميرته المنصوبة كخيمة شعر صغيرة، ويرجع ليرفع العنق قليلاً، ويحاول أن يجبرنا على ابتسامة غصباً عننا، وكان الريّال منا، المتحزم بمّحَزَم أو «المتخنير» بخنجر، يرفض الانصياع لتلك الابتسامة الفاترة التي يرى أنها لا تليق به، لكنه لا يرفض حين يلتقط له المصور صورة ليضعها على جدار البيت، فوق المندوس قليلاً، وبمحاذاة الروزنه، أو يضع نسخة منها عنده في الاستوديو، مثلما لا يمانع أن يضع العكّاس بجانبه مزهرية بلاستيكية، فيها ورد كذّاب أو يجعله ملاصقاً لمنظر طبيعي لإحدى البحيرات في سويسرا، فيبدو بتلك الوضعية عجبة العجب، ريّال بعقوص، وعصا، وخلفه حقل زهر توليب أحمر وأصفر.
صور «الباس» تحفة، بعضنا يظل مصراً ألا يغير صورة ذلك الشخص الذي يشبهه حينما تصور لامتحانات الثانوية العامة، حتى لو عرّس، وجاب أولاداً، البعض نهار التصوير يحلق، ويضرب بذاك الكحل، ويشذب الشنب والحِيّات، تقول معرس، بعض جيلنا كان ينكس العقال على قتر، ويظهّر شعيرات ما دون قمة رأسه، بعد أن يضع عليها من ذاك الملبد الأخضر الإنجليزي «ياردلي»، على أساس أنه شباب، و«زكرتي»، هذه صور الرياييل، أما صور الحريم، فهاي تبا لها عمود بروحه، بس بصراحة.. صور «الباس» أحسن من «السليفي»!.