أتيحت لبلدية أبوظبي في مراحل مبكرة فرصة تخطيط العاصمة بصورة متميزة، لتصبح بهذا الجمال والروعة وانتشار اللون الأخضر. خاصة أن هذا التخطيط كان في حالة سباق بين الزحف العمراني للأبراج وكتل الإسمنت وبين الزراعة واللون والأخضر. خلال السنوات الخمس الماضية من تطور المدينة التي تابعت تبرعمها منذ مراحل مبكرة تعود لنحو أربعة عقود مضت، كان يخيل لي أن كفة الأول قد ترجح، ولكن المشروعات الأخيرة أكدت أن الحفاظ على عاصمتنا الحبيبة حديقة زاهية متألقة خيار غير قابل للتراجع، تجسيداً لاستراتيجية الإمارة لجعل أبوظبي إحدى أفضل العواصم في العالم. ومع التوسع والتمدد الكبير الذي شهدته المدينة خلال العقود الأربعة الماضية، كان الحرص على تحديد الحدود بين غابات الإسمنت واللون الأخضر والحفاظ على الأخير. كما شهدت المناطق الحضرية نقلة نوعية في هذا الإطار عندما جرى التشديد على نشر الحدائق داخل المناطق السكنية، بحيث تكون متنفساً حقيقياً يستفاد منه لخدمة الأهالي، كما نجد في العديد من العواصم والمدن الأوروبية والأميركية. إن نشر هذه المتنفسات هو ترجمة لجهد متناغم من كافة الجهات المعنية بصحة وسلامة الإنسان، إذ لا ينظر المخططون لها على أنها مجرد مساحة خضراء للتصدي للزحف العمراني وتعزيز جودة الهواء في وجه أي تلوث ناجم عن ارتفاع أعداد المركبات التي تدب على شوارع وطرق المدينة، وإنما هي متنفسات لتعزيز الصلات الاجتماعية بين سكان الحي الواحد وممارسة أنشطة رياضية تساعد في الحد من السمنة لا سيما بين الأطفال، وغير ذلك من أمراض المدنية الحديثة. ويتزامن مع انتشار الحدائق توجه المدينة لإنشاء ساحات رياضية لاستيعاب طاقات النشء والمراهقين وإبعادهم عن التجمعات والممارسات التي قد تضرهم. ولعل المتابع لقضايا الأحداث أكثر الناس إدراكاً للعلاقة بين الفراغ وتزايد حوادث وقضايا الأحداث. وهي أي الحدائق في الأحياء السكنية تجعل الأبناء غير بعيدين عن أنظار الأهالي. لقد كان افتتاح حديقة البطين الاثنين الماضي أحدث مشروع لبلدية أبوظبي في هذا الاتجاه، وقد جاء تنفيذها في إطار الاستعداد لافتتاح 12 حديقة مماثلة قريباً في مناطق سكنية مختلفة من العاصمة التي تحتضن حالياً 32 حديقة، تمثل متنفساً لأهالي المدينة بمساحاتها الخضراء وما تضم من تجهيزات ترفيهية، وهي تنطلق كما قلنا من خطط وبرامج واضحة لزيادة نصيب الفرد الواحد من المساحة الخضراء بصورة تخدم الاستراتيجية الحكومية التي أعلنها المجلس التنفيذي، وتتابع من قبل مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني والشؤون البلدية، وهو جهد حرصت بلدية أبوظبي على إشراك المواطنين والمقيمين فيه من خلال خدمات توزيع الشتلات للراغبين في زراعة حدائق منازلهم وإضفاء لمسات جمالية وعصرية على تلك المناطق. ونحن ندعو بلدية أبوظبي لتسريع وتيرة التوسع في إقامة وافتتاح حدائق المناطق السكنية ومناطق ممارسة الرياضات المفضلة لدى النشء وفي مقدمتها كرة القدم، نتمنى كذالك على الأندية الرياضية في العاصمة التفاعل مع هذه المبادرات، لخدمة الأهداف النبيلة والسامية لحماية هذه الفئة العمرية والاستفادة من أوقات فراغها بصورة تخدم المجتمع في المقام الأول، بحسن توظيف طاقات هؤلاء الشباب الواعدين، ومن أجل تكريس اللون الأخضر في أبوظبي.. الحديقة.