مع الزمن وتبدلاته تتبدل أشياء كثيرة في حياتنا، تتبدل أجسادنا ملابسنا كمالياتنا وحتى مواقفنا تجاه الحياة وتجاه الوجود، تجاه الناس القريبين والبعيدين، تجاه الأفكار وحتى تجاه المبادئ، عندها يحكم علينا البعض بأننا تغيرنا ولم نعد كما كانوا يعرفوننا ولكن هل هذا التغير هو نتاج التجارب أم انه نتاج الموجة التي تسير عليها الجموع أو الصرعات التي تجتاح العالم في كل حقبه من حقب السنين؟ أن يحدث تبدل في موقف ما من الحياة يعني بأن هناك شيئا ما حدث، إما أن يكون هذا الشيء خلل معضلي أم انه انتقال سلس وايجابي نحو واقع جديد· ويكون الخلل عندما تكون هناك انتكاسة في الموقف تجاه أي قضية ما في الحياة ويكون التبدل في الموقف بمثابة انتكاسة عندما يؤذي هذا التبدل الروح والوعي أي أن يكون التبدل هو بعكس ما يؤمن به الفرد· وعندما يلمس الفرد أعماق أعماقه ويدرك ويراجع مواقفه تجاه أشياء كثيرة في الحياة ويصل إلى أن يتقدم ويرى الجديد المختلف غير المكرر ومكرس·· أن يبحر ابعد من موقفه، أن يرى بأن هناك براحا بهيا في الحياة وليس جدرانا وأبوابا موصدة على الذات والتفكير والروح؛ عندما يمكن للفرد أن يرى بوضوح فإنه ينتقل إلى مرحلة جديدة في مواقفه، انه يتبدل نحو الأجمل، لا ينكسر ولا يتقهقر ولا يقف عند عتبة المواقف التي عرت نفسها وسقطت·· انه ينسلخ يطير ويحلق نحو الفضاءات الرحبة دائما· إذاً تبدل المواقف أمر طبيعي يحدث في الحياة ولا يمكن الجزم أن يبقى الفرد ثابتا تجاه موقف ما، لا يتبدل ولا يتغير·· وهنا من المهم العمل على أن يكون التبدل بوضع خطوة إلى الأمام وأن ننفض الغبار ونمضي· ولكن ماذا عن العواطف؟ هناك عاطفة طبيعية متمثلة في العاطفة تجاه الأب والأم تجاه الأبناء والإخوة وتكون هذه العاطفة قابلة لأن تتصاعد وان تخفت ولكنها في أكثر الحالات تشاؤما لا تموت· وأعتقد عند مساحة العواطف التي تسكن القلب والشعور يختلف الأمر تماما، في الحب يحدث أن تموت العاطفة والشعور، تموت النبضات الجميلة واللذيذة، يموت الفرح عند لقاء الحبيب ولا يبقى سوى تلك المحبة المطلقة التي نكنها لكل الوجود· ومتى يحدث هذا الموت؟ يحدث أن تموت عاطفة الحب عندما تجف المياه التي تروي شرايين المشاعر، عندما تجف الطراوة في كف الحبيب أو الحبيبة، عندما يجف اللسان وتتساقط الحروف كأنها قطع إسمنتية من لسانه، لا روح فيها ولا نفس، قاسية وصلبة، مؤذية للأذن وللروح، حيث لا نعتني ولا نلتفت لجمال المشاعر التي تسكننا، نمضي ونقسو عليها وعلينا، على أرواحنا وقلوبنا ودون أن ننتبه بأن اخضرار المشاعر الذي كان ناصعا بدأ يخفت، تتساقط الأوراق وتتقوس الأغصان؛ انه يجف ويموت وعندما ننتبه نكون أمام لا شيء، وحيث لا تكون لنا القدرة على إنعاش القلب كي ينبض من جديد· وهنا أتذكر جملة لبطلة مسرحية ''سهرة في المقهى'' للكاتب الصيني تيان هان (1898 ـ 1968) وهي باي تشيوينج حين وقفت أمام التصحر الذي أصاب قلب حبيبها وجفت فيه كل المشاعر: ما فائدة أن احتفظ ببئر جفت مياهها؟ نعم ماذا نصنع أمام وضع كهذا سوى أن نلم ونحفظ كل جمالنا ونرحل بعيدا حتى لا نموت من العطش ولكي نلتقي من جديد بروح لها سحر الحياة الفاتن··· saadjumah@hotmail.com