عندما يستقيل 9066 موظفاً مواطناً من القطاع المصرفي خلال ثلاث سنوات، والقطاع المصرفي قطاع خاص، هذا يعني أن هناك مشكلة، وأن هناك مأزقاً يعاني منه الموظفون المواطنون في القطاع الخاص ما يضطرهم للهروب إلى القطاع الحكومي، على الرغم من أن هذا القطاع نفسه، أي القطاع الحكومي يعاني من تدني الرواتب قياساً إلى رواتب الحكومة في الدوائر المحلية، أو على الأقل بعضها. المشكلة الأساسية تكمن في أن القطاع الخاص عندما أراد أن يذعن لقرارات الحكومة بتوظيف المواطنين، فكر في ذر الرماد في العيون، أي أنه فتح المجال للتوظيف، ولكن هذا التوظيف تم بشروط، أولها الرواتب المنخفضة، التي لا تفي بحاجة موظف في بداية مشواره العملي يريد أن يتزوج وأن يبني بيتاً وأن يكوّن أسرة مستغنية عن مد اليد للآخرين. هذا الشرط القاسي أصاب الموظف المواطن في مقتل، ما جعله يفر بجلده إلى أهون الضررين، ويبحث عن وظيفة في الوزارات الحكومية ليبقى الحال كما هو، ولتظل الأمور كسابق عهدها، أي أن القطاع الخاص يوصد الأبواب بطرق فنية عالية الجودة، لا تستطيع القوانين أن تقترب من نيرانها لأن أصحاب الأرقام يعرفون جيداً كيف ينفذون وكيف يهربون، وكيف يتحايلون، وكيف يتجاوزون، وكيف يحققون مآربهم. بودي، وهذا ما أتمناه لو أن الحكومة تصدر قراراً ملزماً يحكم قبضته على طرق الإفلات الذكية التي يمارسها أصحاب القطاع الخاص، ويضع شروطاً ومحددات للرواتب التي تمنح للموظفين، كل حسب مؤهلاته، ومستوى قدراته، بحيث لا يظلم الموظف ولا يجحف بحق القطاع الخاص وأتصور أن هذا من حق الحكومة أن تفرضه كون القطاع الخاص لا يعمل في الفضاء الخارجي، بل إنه يستفيد جداً من خدمات الدولة، وما يسخر له من أدوات النجاح، لذا فالواجب عليه أن يرضخ لشروط البلد الذي يستفيد من إمكانيات بنيته التحتية إذا لم يتعاط القطاع الخاص مع قضية توظيف المواطنين بموضوعية، وبحس وطني يخدم نفسه أولاً ويخدم البلد والناس الذين يعيشون معه على أرض واحدة.. القطاع الخاص يجب أن يكون ضمن منظومة البلد وما يحتاجه وما تقتضيه المصلحة العامة، وألا يغرد هذا القطاع خارج السرب ويجدف بعيداً عن محيط الحاجة الوطنية، ولا يمكن للقطاع الحكومي أن يظل في حال الاستيعاب الدائم لحشود الخريجين الذين من واجب الجميع “الخاص والعام” أن يكونوا على أهبة الاستعداد لاستقبالهم بصدور رحبة.. وألا نجعلهم يهيمون بحثاً عن ملاذ.