نركض، نتعب، نلهث وراء الحياة، نتسابق لنفوز بما يمكننا أن نغنمه، تسحبنا ساعات العمل الطويلة، وتضجرنا الايميلات التي صارت تلاحقنا إلى أسرتنا، وتشعرنا هواتفنا بالتعب ونحن نطفئها ونرميها بعيدا. كلنا بلا استثناء نحاور الحياة على طريقتنا، نحاول أن نصل إلى ما لم يستطعه الأوائل، وننسى حكمة القائل: «لو تجري جري الوحوش، غير رزقك ما تحوش». حياتنا العصرية أفقدتنا فطرتنا، ذهب الصبر وجاء الضجر، تضجرنا صفحة إنترنت تتأخر عشر ثوان إلى أن تفتح، وهاتف شخص نتصل به ولا يرد، تربكنا سيارة وقف صاحبها وراء سيارتنا، وننسى «حرفيتنا» لمجرد أننا سنفكر ثوان لنخرج أنفسنا من «الباركن» صرنا نتعب من ورقة نحتاجها ونجري بين مكان وآخر لننجزها، ونتساءل: لم لا تكون إلكترونية .. لنرتاح!، تبدو الأمور مجهدة حين ينتظر «الشيبة» الطيب و«العجوز» الغالية سؤالنا وزيارتنا، ونستصعب المشور الذي لا يتجاوز نصف ساعة بالسيارة. لم يعد فينا ما يكفي من «الحيل» لنجلس مع صغار ينتظرون عودتنا من العمل، ولم يبق فينا «هَبّة» لنحملهم إلى الحديقة القريبة، ولم يبق لنا «مزاج» لنطبخ لقمة هنيّة أو نكوي قطعة ملابس. زادت وتيرة الحياة، وتقلصت فطرتنا الإنسانية على التكيف، لم نعد نكتفي بالقليل ولم نستطع أن نرضى بالحال، بغريزة حب الأفضل نتحرك، وتقف مشاعرنا بعيداً عنّا لتتبلد أكثر فأكثر.. لا غريب في أننا نبحث عن سبب للاشيء، نبحث عن سبب لانعدام رغبتنا في التكيف، نكيل التهم إلى العصر الحديث، للسرعة في كل شيء، للأعمال التي تلتهم عقولنا، لكل شيء إلا لأنفسنا. نحن أصحاب النية والعزم لنعيش هذه الحياة، لا نفكر أننا مخطئون في طريقة تعاطينا معها، ولا نقرر أن نعيد تشكيل دنيانا لنلونها «بالبمبي» أو حتى « التركواز». السعادة ليست بالمال، ولا بالجاه ولا بتوفر كل شيء، السعادة بطريقة تعاطينا مع الحياة، إن كنا نشعل بالاختناق فسيقتلنا الشعور لو كنا في قاعة فسيحة، وإن كنا نشعر بأن كل شيء سريع سنلهث ونحن على كراسينا، وإن كنا نشعر بالرضا فيكون تخطي المحيط سهلا جميلا لذيذا على قلوبنا. السعادة تنبع منّا، وتعكسها القلوب الطيبة التي تحيطنا، فهي التي تغمرنا بالفرح وحبها لنا هو ما يصنع الفرق ويزيد الرضا، ويجعل للحياة معنى وأثرا..