قالت إنها ابنتها وتدعى سارة، لذا التزمنا الصمت فلا أحد يستطيع أن يدخل بين الأم ووليدها. دائماً ما تصرخ أم سارة إذا أغضبنا ابنتها أوقصرنا في واجباتنا تجاهها، بحسب اعتقادها. تبدأ عتبها على أهل البيت بعد أن تستيقظ لماذا لم تغسلوا ملابس سارة؟، «جبوا لسارة ألعاب وحلاويات من الدكان»، ومن ثم تنظر إلى ابنتها الصامتة التي لا تنطق «لا تبكين.. ياحبيبتي سأطلب من أمي أن تحضر لنا الحلوى»، وتستنكر تقصيرنا تجاه ابنتها بالسؤال «أنتوا ما تحبون سارة.. أنا بس أحبها»؟! لا أعرف حقاً كم تبلغ سارة من العمر، ربما تبلغ من العمر 3 أشهر وربما هي أكبر من ذلك بكثير، لكن يبقى عمرها ثابتاً وجسمها لا ينمو ولا تتفاعل مع الزمان ولا المكان ولا الأشخاص، لكني متأكد من أن عمر أم سارة ابنت شقيقتي «القصيد» التي لا تتجاوز أعوامها الخمس، تلك الطفلة الأم. سارة هي دمية لكل من رآها ولكنها بالنسبة «للقصيد» طفلتها الصغيرة ابنتها، هي متنفس لها لتمارس أمومتها المغروسة فيها، وتفجر جزءاً من حنانها. كيف تكون الأم وهي صغيرة؟ سؤال كثيراً ما سألت نفسي عنه، وأنا أكبر من أم سارة بعشرة أعوام، أغمضت عيني واستجمعت من ذاكرتي كل من حملت لقب أم وكل من حلمت بأن تصبح أماً وكل من حاولت أن تتعالى على هذه الفطرة وأدركت أن البنت تولد أماً. فالطفلة «أم» والصبية «أم» والمرأة في جميع مراحل حياتها «أم»، وإن خلت أحضان بعضهن بحكم القدر. ليست هي الأجنة في الأرحام التي تجعل من النساء أمهات فقط، بل هي الروح التي تسكنهن منذ أن يبصرن النور. النساء هن أمهات منذ نعومة أظفارهن؛ يكبرن وتكبر معن هذه الفطرة؛ وإن اختلفت أحلامهن تبقى الأمومة الحلم الذي يجمع نساء العالم ويوحدهن. صوت الطفل وصراخه هو لحن يرن في آذان الأمهات؛ بمقامات مختلفة تحمل رنة خاصة وذبذبات لا أحد يفهما إلا الأمهات؛ لكن لنبضه في أحشائهن واحتواء الجسد لروحه وجسده لتسعة أشهر ملحمة لا يعرفها إلا النساء أمهات كن أو حالمات بالأمومة. قالوا ويقولون وسيقولون غنوا ويغنون وسيغنون عن الأم، وما قالوا ولا غنوا إلا ليحاولوا أن يترجموا هذا الحنان الذي تحمله الأم. هناك من غنى لها «ست الحبايب» وهناك من حن إلى خبز أمه وهناك من وصفها بالمدرسة وهناك من حسد النساء على هذه الهبة وقال «الأُمُومَة أعظمُ هِبَةٍ خَصَّ الله بها النساء». الأم لها نفس الصوت والصدى في مختلف لغات العالم، حتى وإن اختلفت في بعض المناطق لكنها تحمل نفس الإيقاع، وأم سارة تمثل طفولة معظم نساء العالم. الله يحفظ لنا أم سارة ويمد بأعمارنا حتى نرى سارة التي ستكون بدورها أماً عظيمة إن شاء الله.