شاهدته يغمض عينيه، على حبّات المطر، ويبلل شفتيه بالماء المقطّر مختبئاً تحت معطف تناثرت أشلاء خيوطه المعتقة على كتفيه. عند زاوية لبناية شاهقة، كوم أشتات جسده المنهك مقرفصاً ساقيه بعروق بانت كأنها حبال مهترئة، ويطارد دخان سجائره، بأصابع مرتجفة. الرجل الأربعيني، كان يبتسم وكأنه أمام لوحة تشكيلية، سيريالية، قديمة وربما لأنه يتذكر الأبناء الصغار، والزوجة المتلهفة لعودة ميمونة مسكونة بشغف الذين يعودون بعد غياب مجفف بالعناء والشقاء والظمأ العاطفي. وينظر إلى المارة بلا مبالاة كونه شغوفاً لهدف كلوف بما جادت به كيريلا، الهندية من ماء فاض حتى أعطب الحياة وأسغب عيون المهمشين. ينظر الرجل إلى الشارع المستحم بالماء والهواء الرطب، ويدخن سيجارته على مرأى من أشجار النخيل التي باتت تسبح في فضاء الإمارات المزدهر، ببهجة الحياة وسعادة الناس الأوفياء. ينظر الرجل إلى الناس بنفس مطمئنة آمنة مستقرة، حيث القلب الكبير، يحضن ويروي المقيم وعابر السبيل، بماء المكرمات ويسقي العروق بأشواق العاشقين المدنفين وجداً، بحبّات التراب التي منها نبتت الأخلاق وشيم النبلاء وقيم النجباء. ينظر الرجل الفقير، وعيونه ملأى بالارتواء وكنز القناعة يحوي مشاعره، بألفة ورزانة ورصانة، وأمانة، لأن الوطن الذي جمع الأشتات، من كل الفئات. زرع سنابل الحب في قلوب الناس جميعاً ولم يعد ما يقلق أو يغلق أبواب الرزق. ينظر الرجل، وحلم الزوجة الجميلة، سمراء الوجنتين، يتباهى خيلاء وخيالاً فيحشد الرجل جل مشاعره بأمل بلا ألم ويحتسي من ماء المطر، ما يفقده نشوة الانضواء إلى كائن يعيد له ترتيب مشاعره ويهذب لوعة الجسد، بمعان أجل من لألأة النجوم. ينظر الرجل ولا يشعر إلا بأمان يكسوه ثوب الاطمئنان ويخيط له معطف التذكر الجميل، مستعيداً بذلك صورة المرأة التي ودعته منذ أعوام، مطوقة عنقه بذراعين لدنين، ونظرة أرسلت شعاعاً أسطورياً كخيوط الشمس، وها هو الآن يخبئ أشواقه هنا عند رصيف، ينظف هندامه فريق من محبي الأناقة والرشاقة واللياقة واللباقة، ويداومون على بث الحب صباحاً ومساء وهو جزء من هذه الكوكبة النبيلة. من يشاهد هذا الرجل الأصيل، يقول كل واحد منا يحتاج إلى مشاعر كهذه تعيد له كيانه المبعثر في أفنية رغبات لا تعد ولا تحصى. كل واحد منا يحتاج إلى غسيل دم، يعيد له بناء الإحساس تجاه كل ما هو موجود في طبيعتنا الأم. ولا شيء أجمل من العصامية. Uae88999@gmail.com