أول الكتابة فرح، وأول الفرح إيمان، وأول الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل، والعمل الذي قام به شباب مصر صباح يوم 25 يناير لم يكن نزهة شبابية يعودون منها آخر النهار مضروبين وكل منهم قد نالته علقة محترمة من شرطي أو رجل أمن مدجج ، العمل كان مبدؤه إلى حيث وصل منتهاه: السعي بمصر نحو مستقبل يليق بمصر، هل كان الشباب وهم يخرجون في ذلك الصباح الباكر البارد يعرفون إلى أين يذهبون تحديدا بحياتهم وقلوب أمهاتهم وآبائهم ؟ لا لم يكونوا يعلمون أكثر من أنهم ذاهبون نحو المجهول بتصميم وإيمان !
والإيمان مجدداً هو ما استقر في القلب وصدّقه العمل، وقد عمل هؤلاء الشباب بحسب ذلك الإيمان وأكثر، واجهوا حيل السلطة والتفافات عتاتها، قاوموا نرجسية البروز والظهور الإعلامي ، وفضلوا أن يكونوا نقطة ضوء في شلال نور الميدان، تسلحوا بذكاء الشباب المتعلم الواعي والمدرك، فلم تنطل عليهم الألاعيب ولا الوعود والإغراءات، ولم يأخذهم الإحباط إلا إلى عمق التصميم على بلوغ الهدف، كانوا حديث العالم وفي الميدان كانوا كأي رجل مصري أو امرأة مصرية من بسطاء أهل المحروسة، خرجوا باسم مصر، وباسمها هتفوا، ولأجل مستقبل أفضل تلقوا الرصاص وكتبوا شهادات وفاتهم على الهواء مباشرة دون خوف ولا وجل وبلا تردد.
يحق لمصر الغالية دوما أن تفخر بشبابها، كما يجب على كل الوطن العربي أن يؤمن بشبابه على طريقة “الإيمان الذي يستقر في القلب ويوافقه العمل” وهذا يقتضي استنفار كل الطاقات والميزانيات والموارد لاحتضانهم وتوفير أرقى نظم التعليم لهم وتوفير كل فرص العمل الحر، والمشاركة الفاعلة في بناء أوطانهم وإدارتها، والرفق بهم، فهم مسؤولية وأمانة وكنز عظيم وجدار واق للوطن حين يحتاج الوطن لمن يحميه ويرفع شأنه ويحفظه.
في بلداننا العربية طاقات بشرية هائلة لكن أغلبها مهدر ومقصى عن حق المشاركة والعمل وشباب متعلم، ذكي، ونبيه حد الدهشة، لكنه للأسف الشديد مهمش، وعاطل ومهمل بين فكي كماشة البطالة والفراغ والإعلام الهابط التافه، ولا نعرف حتى اليوم سر هذا الإهمال وهذا الإقصاء لهؤلاء الشباب ولهذه الطاقات التي حين يضيق بها فضاء أوطانها تيمم شرقا وغربا لتسكب عصارة ذكائها وعطائها لبلدان أخرى بينما أوطاننا في أمس الحاجة إليهم ، فمن يخطط لإبعاد الشباب عن مكانهم الحقيقي يا ترى ؟
لا نريد الدخول في دهاليز نظرية المؤامرة، فكل بلد له من الأعداء ما يكفيه ومن التحديات ما يجب أن يعيها ومن الأهداف والخطط ما يفترض أن يعمل ليل نهار لتحقيقها، لذلك يجب ألا نلقي اللوم على أعدائنا بأنهم يخططون لتدمير شبابنا بمختلف الوسائل فقد سئمنا هذه الأسطوانة التي دارت فوق رؤسنا منذ 100 عام وأكثر، فإذا كانت خططهم تدمير شبابنا فماهي خططنا لحمايتهم يا ترى ؟ ماذا فعلنا لنحميهم ونبعدهم عن تيارات الانحراف والتضليل والإرهاب والتطرف والتفاهة والجهل و....؟
إن أضخم وأنجح برامجنا الإعلامية التي وجهت إلى شباب العرب هي أسوأ مليون مرة من أي مخطط معادي، وأن التعليم الرديء الذي يقدم لهم في كثير من الدول لا يقل خطراً ، وتزايد نسب البطالة خطر وجريمة.
آخر الكتابة.. علينا أن نقف أمام مرآة الشباب ونسأل ماذا قدمنا لهم لنحميهم ؟


ayya-222@hotmail.com